للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المجمل الذي يحتاج إلى بيان الأفعال التي هي بدعةٌ لتتميز عما عداها، فتكون مبيناتُه جميعَ الأدلة الشرعية - من إجماع أو قياس [وغيرهما]- الدالة على إرجاع الأفعال المحدثة إلى قسم الحرام.

وعلى كل التقادير، فظاهرُ الحديث ليس بمراد فيؤوَّل بما ذكرته، وذلك معنى قول مالك رحمه الله: "مَنْ أحدث في هذه الأمة شيئًا لم يكن عليه سلفُها فقد زعم أن رسول الله خان الدين؛ لأن الله تعالى يقول: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [المائدة: ٣]، فما لم يكن يومئذ دينًا لا يكون اليوم دينًا"، (١) فجعل الحجة هي قوله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ}. ومن المعلوم أن الذي أكمله الله هو كلياتُ الدين لا جزئياته، كما بينه أبو إسحاق الشاطبي في "الموافقات"، (٢) وإلا لبطل القولُ بالقياس وغيره من


= وهو القسم المخترع، أي طريقة ابتدعت على غير مثال تقدمها من الشارع، إذ البدعة إنما خاصتها أنها خارجة عما رسمه الشارع". كتاب الاعتصام، ج ١، ص ٢٢.
(١) أخرجه ابن حزم عن عبد الملك بن حبيب عن ابن الماجشون. ابن حزم، أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد: الإحكام في أصول الأحكام، تحقيق إحسان عباس مراجعة على نسخة الشيخ أحمد محمد شاكر (بيروت: دار الآفاق الجديدة، بدون تاريخ)، ج ٦، ص ٥٨.
(٢) قال الشاطبي بعد أن ذكر أن أصول الفقه في الدين قطعية لكونها راجعة إلى كليات الشريعة من الضروريات والحاجيات والتحسينيات وفي سياق الجواب عن استشكال القاضي أبي بكر الباقلاني وإمام الحرمين الجويني عدَّ تفاصيل العلل وأحكام الأخبار من الأمور القطعية في الأصول: "والجواب أن الأصلَ على كل تقدير لا بد أن يكون مقطوعًا به؛ لأنه إن كان مظنونًا تطرق إليه احتمال الإخلاف، ومثل هذا لا يُجعل أصلًا في الدين عملًا بالاستقراء، والقوانين الكلية لا فرق بينها وبين الأصول الكلية التي نُصَّ عليها؛ ولأن الحفظ المضمون في قوله تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (٩)} [الحجر: ٩] إنما المرادُ به حفظُ أصوله الكلية المنصوصة، وهو المراد بقوله تعالى: {أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [المائدة: ٣] ". الموافقات، ج ١، ص ٣٠ - ٣٢. ثم قال في بداية "كتاب الأدلة": "لما انبنت الشريعة على قصد المحافظة على المراتب الثلاث من الضروريات والحاجيات والتحسينيات، وكانت هذه الوجوه مبثوثةً في أبواب الشريعة وأدلتها، غير مختصة بمحل دون محل، ولا بباب دون باب، ولا بقاعدة دون قاعدة، كان النظر الشرعي فيها أيضًا عامًّا لا يختص بجزئية دون أخرى؛ لأنها كلياتٌ تقضي على كل جزئي تحتها، وسواء علينا أكان جزئيًّا إضافيًّا =

<<  <  ج: ص:  >  >>