للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المحدثات في مصالح الأمة.

وقد اقتفى البخاري في هذا الشأن أثرَ مالك، فإنه افتتح كتاب "الاعتصام بالسنة" من صحيحه بما نصه: "كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة"، فأخرج فيه حديثَ عمر أن يهوديًّا قال له: "لو أن علينا نزلت هذه الآية: {أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ}. . ."، وساق الحديث، (١) وهذا التخريج من بدائع البخاري الكثيرة.

ثم إنِّي أعني بالجنس أن يكون الفعلُ أو الاعتقادُ أو القول غيرَ راجعٍ إلى أصل مماثل له مشروع، مثل القول بأن لا قدر، ومثل اعتقاد الجبر والإرجاء والتكفير بالذنب؛ فإن أئمة الدين وصفوا أصحابَ هذه العقائد بأنهم المبتدعة وأهل الأهواء. ومثل ابتداع التعبد بتعذيب النفس، كالوقوف في الشمس المنهي عنه في حديث الموطأ. (٢)

فأما الراجع إلى مماثل مشروع، فلا يكون بدعةً مذمومة، سواء كان رجوعُه رجوعَ الجزئي إلى الكلي، كرجوع طرق المتكلمين في الاستدلال على حدوث العالم، فإن ذلك من جزئيات النظر المأمور به شرعًا. وكذلك ضبطُ صفات الله تعالى في


= أم حقيقيًّا؛ إذ ليس فوق هذه الكليات كلِّيٌّ تنتهي إليه، بل هي أصولُ الشريعة، وقد تمت، فلا يصح أن يُفقد بعضُها حتى يُفتقر إلى إثباتها بقياس أو غيره، فهي الكافيةُ في مصالح الخلق عمومًا وخصوصًا؛ لأن الله تعالى قال: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [المائدة: ٣] وقال: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} [الأنعام: ٣٨] ". المرجع نفسه، ج ٢، ص ٥ - ٧.
(١) ونص الحديث بتمامه: "قال رجل من اليهود لعمر: يا أمير المؤمنين، لو أن علينا نزلت هذه الآية: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} [المائدة: ٣]، لاتخذنا ذلك اليومَ عيدًا. فقال عمر: إنِّي لأعلم أيَّ يوم نزلت هذه الآية، نزلت يوم عرفة في يوم جمعة". صحيح البخاري، "كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة"، الحديث ٧٢٦٨، ص ١٢٥١.
(٢) الموطأ برواياته الثمانية، "كتاب النذور والأيمان"، الحديث ١١١٢، ج ٣، ص ٦٨. وانظر كذلك صحيح البخاري، "كتاب الأيمان والنذور"، الحديثان ٦٧٠١ و ٦٧٠٤، ص ١١٥٦ - ١١٥٧؛ سُنَنُ أبي دَاوُد، "كتاب الأيمان والنذور"، الحديث ٣٣٠١، ص ٥٣٠ (وانظر بقية أحاديث الباب).

<<  <  ج: ص:  >  >>