للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فيها: {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} [المائدة: ٤٨] ". (١) قلت: وإن كانت غيرَ مخصوصة بذلك بحيث تشمل أحكامَ الأفعال. وبهذا الاحتمال الثاني يُفَسَّر ما وقع في الموطأ من قول يحيى بن يحيى: "سمعت مالكًا ينهى عن اللعب بالشَّطرنج وغيرها، ويتلو قوله تعالى: {فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ} [يونس: ٣٢] ". (٢)

وأما المنكر، فقد اتضح بما قررناه الفرقُ بينه وبين البدعة والمحدث لغةً وشرعا. فيظهر أن النسبة بينه وبين المحدث والبدعة هي العموم والخصوص الوجهي: (٣) فبعضُ المنكر بدعةٌ ومُحدَث، وبعضُ البدعة والمُحدَث مُنكر، فلا تصير البدعة منكرًا حتى تقوم الأدلةُ على تحريمها.


(١) ابن عطية: المحرر الوجيز، ج ٣، ص ١١٨.
(٢) أورد المصنف كلام يحيى بتصرف، ولفظه: "سمعت مالكًا يقول: لا خير في الشَّطرنج، وكرهها. وسمعته يكره اللعب بها وبغيرها من الباطل، ويتلو هذه الآية. . ." الموطأ برواياته الثمانية، "كتاب الجامع"، الحديث ١٩٢٥، ج ٤، ص ٤٢٥ - ٤٢٦. وههنا ينتهي الجزء الأول من المقال، الهداية الإسلامية، المجلد الثامن، الجزء الحادي عشر، جمادى الأولى ١٣٥٥ (ص ٦٨٩ - ٦٩٨). وهنا ينتهي القسم الأول من المقال.
(٣) يندرج مصطلح "العموم والخصوص الوجهي" في المنطق فيما يُعرف بالنِّسب الأربع، ويراد بها النسبة بين الكليين من حيث انطباق كل واحد منهما على مصاديق الآخر، فمثلًا النسبة بين الطائر والحيوان هي أن الحيوان ينطبق على كل مصاديق الطائر، والطائر ينطبق على بعض مصاديق الحيوان (وهي مصاديق الطائر نفسه). والنسب الأربع هي: التباين، والتساوي، والعموم والخصوص المطلق، والعموم والخصوص الوجهي (أو العموم من وجه والخصوص من وجه). ١. فالتساوي أن ينطبق كلٌّ من الكلِّيَيْن على جميع مصاديق الآخر. ٢. والتباين أن لا ينطبق أيٌّ من الكلِّيَيْن على أي شيء من مصاديق الآخر. ٣. أما العموم والخصوص مطلقًا فهو أن يصدق أحدُ الكلِّيَيْن على جميع ما يصدق عليه الآخر وعلى غيره، ويقال للأول الأعم مطلقًا وللثاني الأخص مطلقًا. ٤. وأما العموم والخصوص الوجهي فهو انطباق كلِّ واحد من الكلِّيَيْن على بعض مصاديق الآخر، وافتراقهما في الانطباق على مصاديق أخرى. مثاله: الحيوان والأبيض؛ فإن مفهوم الحيوان ينطبق على بعض مصاديق الأبيض (وهي الحيوانات البيضاء)، ويفترق عن مفهوم الأبيض في انطباقه على الحيوانات غير البيضاء. ومفهوم الأبيض ينطبق على بعض مصاديق الحيوان (وهي الحيوانات البيضاء)، ويفترق عن مفهوم الحيوان في انطباقه على الأشياء البيضاء غير الحيوان. فنقطة الالتقاء بين مفهومي الأبيض والحيوان هي الحيوانات البيضاء.

<<  <  ج: ص:  >  >>