للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإذا تقرر هذا، عُدنا إلى الكلام على البدعة بالمعنى الأعم، لأنه الذي يناسب إطلاقاتِها في الآثار، وهو المقدارُ المسوق له تعريفُ عز الدين بن عبد السلام. والبدعة بهذا المعنى تنقسم انقسامًا أوليًّا إلى قسمين: قسم يرجع إلى الديانات، وقسم يرجع إلى العادات.

فأما القسم الذي يرجع إلى الديانات، فرجوعُه إليها إما شديد التعلق بها وإما ضعيف التعلق. فأما شديدُ التعلق فمنه ما يكون في العبادات كالتثويب، وهو النداءُ بعد الأذان بنحو "حي على الفلاح" لقصد تنبيه مَنْ يغفل عن الوقت، لا سيما إذا بَعُد ما بين الأذان والصلاة. وكذلك الضحية عن الميت.

ومنه ما يكون في المعاملات، مثل الكراء المؤبَّد المعبَّر عنه بالإنزال أو بالجلسة. (١) ومنه الطلاق البدعي. وقولهم: "تحدث للناس أقضيةٌ بقدر ما أحدثوا من الفجور"، (٢) وقد أحدثوا أساليبَ المرافعات المعبَّر عنها بأحكام القضاء. غير أن


(١) قال علامة الزيتونة في القرن الثالث عشر الهجري الشيخ إبراهيم الرياحي (١١٨٠/ ١٧٦٧ - ١٢٦٦/ ١٨٥٠): "الإنزال والخلو والجلسة، ألفاظٌ متحدة الذات مختلفة بالاعتبار في الاصطلاح. فذاتها ومعناها: المنفعة التي يملكها دافعُ الدراهم لمالك الأصل مع بقاء ملكه للرقبة، فإن كانت الرقبة التي هي الأصل أرضًا عُبِّر عن تلك المنفعة بالإنزال عند بعض الناس، وإن كانت في حوانيت أو دور عبر عنها بالخلو في غير اصطلاح أهل فاس، وفي اصطلاحهم يعبر عنها في الحوانيت بالجلسة، وإن كانت في دور يسكنها اليهود عبر عنها بالخرقة في تونس". محمد ابن الخوجة: المجموع في مسائل الإنزالات والخلوات والكردار (تونس: المطبعة الرسمية، ١٣١٦ هـ)، نقلًا عن التوزري العباسي، محمد بن يونس السويسي: الفتاوى التونسية في القرن الرابع عشر الهجري (تونس: دار سحنون/ بيروت: دار ابن حزم، ط ١، ١٤٣٠/ ٢٠٠٩)، ج ١، ص ٥٩٠، الحاشية رقم ١.
(٢) يُنسب هذا القولُ نسبةً مشهورة إلى عمر بن عبد العزيز، وقد عده كثير من الفقهاء - وخاصة المالكية ومنهم المصنف - قاعدةً مهمة من قواعد التفقه في الشريعة، وتنزيل أحكامها على الوقائع. النباهي المالقي، أبو الحسن بن عبد الله بن الحسن: تاريخ قضاة الأندلس المسمى كتاب المراقبة العليا فيمن يستحق القضاء والفتيا، تحقيق لجنة إحياء التراث العربي (بيروت: دار الآفاق الجديدة، ط ٥، ١٤٠٣/ ١٩٨٣)، ص ١٠٧؛ الشاطبي: كتاب الاعتصام، ج ٢، ص ٣؛ الزرقاني، محمد بن =

<<  <  ج: ص:  >  >>