للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حسن الصوت زادت قراءتُه السامع خشوعًا ورقّةَ قلب، وذلك مما يدعو إلى الخير.

وأدلةُ ذلك كثيرة، أوضحُها ما في صحيح البخاري أن النبي - صلى الله عليه وسلم - استمع لقراءة أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه -، وأبو موسى غير شاعر بذلك، وكان أبو موسى حسن الصوت، فقال له رسول الله من الغد: "لو رأيتني وأنا أستمع لقراءتك البارحة، لقد أوتيتَ مزمارًا من مزامير آل داود"، فقال أبو موسى: "لو علمتُ أنك تسمع إلَيَّ يا رسولَ الله لحبَّرت قراءتِي تحبيرًا، أي: لزدتها تحسينًا". (١) وليس بنا أن نتعرّض ها هنا للخلاف في قراءة القرآن بالأصوات الحسنة التي لا تخرج عن أدب القرآن، فإنّ الكلام في ذلك يطول.

وليس من غرض السائل ولا جمهور المتطلّبين معرفةُ الحكم الشرعي في قراءة القرآن بطريق المذياع خاصة، بل نحن نبني الآن على ما جرى عليه عملُ علماء المسلمين في سائر الأقطار من استحباب القراءة بالأصوات الحسنة غير المنافية لحروف القرآن وآدابه، جريًا على قول أئمةٍ من أعلام المذهب المالكي مثل الإمام سحنون وعمرييه: موسى بن معاوية، وابن الرشيد، وابن اللّبّاد، وابن التبّان من أعيان القيروانيين. (٢) وهو مختارُ أعلام من الأندلسيين، مثل ابن رشد وابن العربي


= أُمروا باستماع القرآن في الصلاة إذا قرأ الإمام، وكان مَنْ خلفه ممن يأتَمُّ به يسمعه، وفي الخطبة. وإنما قلنا: ذلك أولى بالصواب لصحة الخبر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "إذا قرأ الإمام فأنصتوا"، وإجماع الجميع على أن من سمع خطبة الإمام ممن عليه الجمعة [عليه] الاستماع والإنصاف لها، مع تتابع الأخبار بذلك عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأنه لا وقتَ يجب على أحد استماع القرآن والإنصات لسامعه من قارئه إلا في هاتين الحالتين، على اختلافٍ في إحداهما، وهي حالة أن يكون خلف إمام مؤتَمٍّ به. وقد صح الخبرُ عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بما ذكرناه من قوله: "إذا قرأ الإمام فأنصتوا". فالإنصاتُ خلفه لقراءته واجبٌ على مَنْ كان به مؤتَمًّا سامعًا قراءتَه بعموم ظاهر القرآن والخبر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -". وانظر كذلك ابن عاشور: تفسير التحرير والتنوير، ج ٥/ ٩، ص ٢٣٨ - ٢٤١.
(١) صحيح مسلم، "كتاب صلاة المسافرين وقصرها"، الحديث ٧٩٣ (٢٣٥)، ص ٢٨٦.
(٢) سحنون هو أبو سعيد عبد السلام بن سعيد التنوخي القيرواني، صاحب المدونة ومرسخ فقه الإمام مالك بإفريقية. رحل إلى المشرق، وأخذ عن ابن القاسم. توفي سنة ٢٤٠. أما عصريوه من =

<<  <  ج: ص:  >  >>