للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الله، ما هذا الذي تحدثون؟ والله يقول: {إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ} [آل عمران: ١٩٢]، و {كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا} [السجدة: ٢٠]. فما هذا الذي تقولون؟ قال [أي زيد]: فقال: أتقرأ القرآن؟ قلت: نعم، قال: فهل سمعتَ بمقام محمد - عليه السلام - (يعني الذي يبعثه الله فيه)؟ [يعني قوله تعالى: {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا (٧٩)} [الإسراء: ٧٩]، قلت: نعم، قال: فإنه مقام محمد - صلى الله عليه وسلم -المحمود الذي يُخرج به مَنْ يُخرِج. قال: ثم نعت وضع الصراط ومرَّ الناس عليه. . ." (١)

وإن إنكار الشفاعة مبنِيٌّ على أصلهم؛ فإنهم يقولون بأن مرتكب الكبيرة مستوجبٌ الخلودَ في النار، إلا أن يتوب. فإن كان قد تاب، فالشفاعةُ محال؛ لأنها لا تفيد المشفوعَ فيه شيئًا لوجوب خلوده في النار. وأدلتُهم في ذلك ظواهرُ من القرآن تقتضي خلودَ مرتكِبِ الكبيرة والإيمان إلى أنه كافر. (٢)

وتلك الأدلةُ عندهم أقامت لهم أصلًا قاطعًا من أصول الاعتقاد في نظرهم، واستدلوا على بطلان الشفاعة بالخصوص بقوله تعالى: {وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ} [البقرة: ٤٨]، وقوله: {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ} [البقرة: ٢٥٤]، فلذلك تأولوا الآيات التي تقتضي وجود الشفاعة لمنافاتها للأصل القاطع.


= ابن الحصين: "يخرج قومٌ من النار بشفاعة محمد، فيدخلون الجنة ويسمون الجهنَّمِيِّين". سُنَنُ أبي دَاوُد، "كتاب السنة"، الحديث ٤٧٤٠، ص ٧٤٦. وانظر كذلك سنن ابن ماجه، "كتاب الزهد"، الحديث ٤٣١٥، ص ٦٣٠، ولفظه عنده عن عمران بن الْحُصَيْنِ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لَيَخْرُجَنَّ قَوْمٌ مِنَ النَّارِ بشَفَاعَتِي، يُسَمَّوْنَ الْجَهَنَّمِيِّينَ".
(١) صحيح مسلم، "كتاب الإيمان"، الحديث ٣٢٠، ص ٩٣ - ٩٤. ما بين حاصرتين زيادة من المصنف.
(٢) انظر في ذلك: الأشعري، الإمام أبو الحسن علي بن إسماعيل: مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين، نشرة بعناية أحمد جاد (القاهرة: دار الحديث، ١٤٣٠/ ٢٠٠٩)، ص ٦٦ - ٧٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>