للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من عرفتُم". (١) فهذا إذنٌ من الله لهم بعد شهادتهم، كما اقتضاه حديث أبي سعيد الخدري في صحيح مسلم. وإما تلقي إذن من الله تعالى، كما في حديث أبي هريرة وأبي سعيد في الصحيحين. وعليه فما وقع في بعض روايات حديث أبي سعيد في صحيح مسلم: "فيقول الله تعالى: شفعت الملائكة وشفع النبيون(٢) هو من باب المجاز، أي: وُسطت الملائكة، واستجيب دعاءُ النبيين بالسلامة، وقُبلت شهادةُ المؤمنين لأقوامهم بالإيمان والأعمال الصالحة.

وعليه فحملُ حديثِ الموطأ والصحيحين المصرح بأنه أعطي الشفاعة ولم يُعطها أحدٌ قبله، أن يكونَ على ظاهره. ويدل لذلك أن حديثَ الصحيحين المرويَّ عن أنس وأبي هريرة وحذيفة صريحٌ في أن القسم الرابع من الشفاعات من خصائص النبي - صلى الله عليه وسلم - لتفصِّي أفضل بقية الرسل منها.

وقد أنكر بعضَ أقسام الشفاعة طوائفُ من المبتدعة في الدين، وأولُ مَنْ أنكر الشفاعةَ الخوارجُ في عصر الصحابة. ففي صحيح مسلم عن يزيد الفقير قال:

"كنتُ قد شغفني رأيٌ من رأي الخوارج، فخرجنا في عِصابة ذوي عدد، نريد أن نَحُج ثم نَخْرُجَ على الناس. (٣) فمررنا على المدينة، فإذا جابرُ بن عبد الله جالس إلى سارية يحدث القوم عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. قال: فإذا هو قد ذكر الجهنميين [أي أهل المعاصي الذين يخرجون من النار فيسميهم أهل الجنة الجهنميين، كما ورد في حديث عمران بن حُصَين وأنس بن مالك]. (٤) قال (يزيد): فقلت له: يا صاحبَ رسول


(١) صحيح مسلم، "كتاب الإيمان"، الحديث ١٨٣، ص ٨٩.
(٢) انظر ذلك في الحديث نفسه، ص ٩٠.
(٣) أي لبث دعوتهم ونشر أفكارهم.
(٤) ولفظ الحديث في رواية أنس: "يخرج قوم من النار بعد ما مَسَّهم منها سَفْعٌ فيدخلون الجنة، فيسميهم أهلُ الجنة الجهنميين". صحيح البخاري، "كتاب الرقاق"، الحديث ٦٥٥٩، ص ١١٣٥؛ "كتاب التوحيد"، الحديث ٧٤٥٠، ص ١٢٨٤، ولفظه: "لَيُصيبَنَّ أقوَامًا سَفْعٌ من النار بذنوب أصابوها عقوبة، ثم يُدخلهم الله الجنة بفضل رحمته، يقال لهم: الجهنميون". وفي رواية عمران =

<<  <  ج: ص:  >  >>