للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

منها: "وأعطيت الشفاعة": إما الشفاعةَ العظمى، فيكون التعريفُ للعهد أو للكمال. وإما على جنس الشفاعة بقيد تحقق إجابة شفاعته، لما ورد في حديث الصحيحين عن جابر وأنس وأبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لكل نبي دعوةٌ مستجابة، فأردتُ أن أختبئَ دعوتِي لأمتي يوم القيامة". (١)

وأما حديثُ "شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي"، فهو يقتضي تخصيصَ الشفاعة بكونها لأهل الكبائر من المسلمين. فيتعين حملُ هذا الحديث على أن المراد بالشفاعة فيه القسمان الثالث والرابع، وهما اللذان يتحقق فيهما معنى الشفاعة بمعناه اللغوي الأتم؛ لأنها شفاعةٌ تتحقق بها النجاةُ من أثر الجناية نجاةً مستمرة. بخلاف الخامس؛ إذ إطلاقُ الشفاعة عليه مجاز، كما علمته.

والتحقيقُ عندي في شأن هذه الشفاعات أن ما ورد من الآثار مِمَّا ظاهرُه إثباتُ شفاعة النبيين وصالحي المؤمنين والملائكة أنها شفاعةٌ مجازية؛ لأنها إما دعاء، كقول النبيين على الصراط: "اللهم سَلِّمْ سَلِّمْ"، (٢) كما في حديث أبي هريرة وأبي سعيد الخدري في الصحيحين.

وإما شهادةٌ وتعريضٌ بالتشفع، كقول المؤمنين الناجين في شأن المؤمنين الذين أُدْخِلوا النار: "ربنا كانوا يصومون معنا ويصلون ويحجون. فيقول الله لهم: أخرجوا


(١) سبق تخريجه.
(٢) جاءت هذه العبارة في حديث طويل عن أبي هريرة أوله: "أن الناس قالوا: يا رسول الله، هل نرى ربنا يوم القيامة؟ "، ثم جاء فيه: "وتبقى هده الأمة فيها منافقوها، فيأتيهم الله فيقول: أنا ربكم، فيقولون: هذا مكاننا حتى يأتينا ربنا، فإذا جاء ربنا عرفناه، فيأتيهم الله فيقول: أنا ربكم، فيقولون أنت ربنا، فيدعوهم فيضرب الصراط بين ظهراني جهنم، فأكون أول من يجوز من الرسل بأمته، ولا يتكلم يومئذ أحد إلا الرسل، وكلام الرسل يومئذ: اللهم سَلِّمْ سَلِّمْ، وفي جهنم كلاليب، مثل شوك السعدان، هل رأيتم شوك السعدان؟ "، إلى آخر الحديث. صحيح البخاري، "كتاب الأذان"، الحديث ٨٠٦، ص ١٣٠ - ١٣١؛ "كتاب الرقاق"، الحديث ٦٥٧٣، ص ١١٣٧ - ١١٣٨؛ "كتاب التوحيد"، الحديث ٧٤٣٧، ص ١٢٧٩ - ١٢٧٨؛ صحيح مسلم، "كتاب الإيمان"، الحديث ١٩٥، ص ٩٧ - ٩٨. وقد جاءت العبارة محل الشاهد بلفظ: "رب! سلم سلم".

<<  <  ج: ص:  >  >>