حرامًا أو مكروهًا. وإن كانت المصلحة أو المفسدة عارضتين لفعل في بعض الأوقات كان الفعل ذريعة، فيأخذ حكمًا عارضًا مناسبًا لعروض المصلحة أو المفسدة له، وذلك هو الأصل المسمى في أصولنا بسد الذريعة، أي ذريعة الفساد.
والذي استقر عليه أمرُ العلماء أن الذريعةَ إن غلب إفضاؤها إلى الفساد وجب سدُّها، كما عدل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن تجديد الكعبة على قواعد إبراهيم، وقال لعائشة:"لولا حدثانُ قومك بكفر، لبنيتُ الكعبةَ على قواعد إبراهيم، ولجعلت لها بابين". (١) وإن ندر إفضاؤها إلى الفساد أُلغيت ولا تسد، كما ألغى الشرعُ ذريعةَ زراعة العنب إلى عصره خمرًا، وألغى ذريعةَ حفر الآبار إلى ما قد يسقط فيها من إنسان أو حيوان لندرة وقوع ذلك.
فالحبسُ في حد ذاته - أي: بقطع النظر عما يعرض له من مقاصد المحبسين السيئة - هو مصلحةٌ واضحة، لِمَا فيه من الصلة، وإحداث المودة بين المعطي والمعطى، وإغاثة الملهوف، وإغناء المحتاج، وإقامة كثير من مصالح المسلمين، وتسديد ضرورياتهم العامة. فقد أغنت الأحباسُ خيرَ غناءٍ عن المسلمين في عصور كثيرة، لا سيما العصور التي أساء فيها ولاةُ الأمور التصرفَ في أموال بيت المال وبذورها وأفقروا بيت المال.
فلولا أن وجد المسلمون في تلك الأحوال أوقافَ أسلافهم على إقامة مصالحهم فسددوا بها ضرورياتهم، للحق بهم ضررٌ كثير وفساد كبير. وقد أظهر
(١) لم أجده بهذا اللفظ، وإنما رويَ عن عائشة أنها قالت: قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لولا حداثة قومك بالكفر لنقضتُ البيت ثم لبنيته على أساس إبراهيم عليه الصلاة والسلام، فإن قريشًا استقصرتْ بناءه وجعلتْ له خلفًا"". صحيح البخاري، "كتاب الحج"، الحديث ١٥٨٥، ص ٢٥٧؛ صحيح مسلم، "كتاب الحج"، الحديث ١٣٣٣، ص ٤٩٦، ولفظ مسلم: "لولا حداثة قومك بالكفر لنقضتُ البيت، ثم لبنيته على أساس إبراهيم - فإن قريشًا حين بنت البيت استقصرتْ - ولجعلتُ لها خلفًا"".