كلامُه من المفاسد الطارئة على الأوقاف، وهي اضطرابُ هناء عيش مستحقيه، وتجزئة ريع الوقف أجزاء صغيرة، وكثرة الخصومات بين المستحقين، وإجبار المرء على البقاء في الإشاعة، ومخالفة الفرائض الشرعية، ليس كمن يدير لحساب نفسه.
فأما اضطرابُ هناءِ عيش المستحقين للوقف فقد استَدَلَّ عليه بكثرة الأموال المحجوزة تحت يد وزارة الأوقاف عن مستحقي الأوقاف في مصر في سنين حتى بلغت في عام ١٣٢٧ هـ إلى مليون جنيه. ولم أدر مرادَه بهذا: هل كان هذا الحجز لأجل مطالب على المستحقين؟ فإذا كان كذلك، فكم على الأملاك من عقلة ومن حجز، ولولا أن تلك العقارات وقفٌ لبيعت على المدينين، إذ لا فرقَ بين تداين مالك الرقبة وتداين مالك المنفعة. وإن كان لأجل غيبة بعض المستحقين، فذلك حفظٌ لأموالهم. وعلى كل تقدير لا يستطيع أحدٌ أن يظهِرَ فرقًا من هذه الناحية بين ما يعرض لمالك رقاب العقار وبين ما يعرض لمستحق ريع الوقف.
وأما تجزئةُ الوقف أجزاء، فذاك في أوقاف قليلة، وهي الأوقاف التي ليس فيها ترتيب الطبقات. أما معظم الأوقاف فهي جاريةٌ على شرط ترتيب الطبقات، بمعنى أن الأبناء لا تدخل مع الآباء، وأن مَنْ مات عن أبناء خلفوه في حظه من الوقف. فهذا النوعُ لا يرد عليه المصيرُ إلى أجزاء صغيرة. على أن النوع الآخر - وهو الوقف على الذرية كلهم - لا يخلو عن فائدة؛ لأنه يحصل من أنصباء مجموع أفراد العائلة الواحدة مالٌ له بال.
وأما تصرفُ الناظرين، فهذا خللٌ يمكن تلافيه بأن لا تجعل على الأوقاف نظارٌ إلا في الأحباس الخيرية، أعني العامة، وفي صورة ما إذا أساء المستحقون التصرفَ في الوقف بالإهمال أو إرادة إبطال الوقفية، وفيما إذا اشترط الواقف إسناد وقفه لنظر مَنْ عيَّنه بالشخص أو بالوصف.
وأما الأحباسُ الأهلية فللمستحقين التصرفُ بأنفسهم، أو بإقامة وكلاء عليهم. وذلك هو مقتضى المذهب المالكي، خلافًا للمذهب الحنفي الذي يرى