لتملك الأرض فيها اعتبار قوي. على أن علم الاقتصاد السياسي يصرح بأن الثروة عبارةٌ عن الأشياء النافعة القابلة للتداول، وأن أصول إحداث الثروة هي الأرض والعمل ورأس المال، وأن رأسَ المال هو السلع والأمور الضرورية للأمم، وأن للعمل شروطًا كثيرة، وأن الأرض إنما تُعتبر في إحداث الثروة من حيث إنها مادةُ استثمار طبيعية.
فيتضح من ذلك أن أرض الوقف أصلٌ من أصول الثروة في نظر علم الاقتصاد، وأن وقفيتها لا تحول دون الاستثمار منها، كما سنوضحه في المبحث الآتي.
أما مسألةُ رهن الأملاك عند الحاجة للمال، فهي من توابع مباحث الاقتصاد، غير أنها لا يُنظر إليها في المرتبة الأولى. وقد يرهن الإنسان عند الحاجة معملًا، أو سهام سكة حديدية، أو مقادير من الذهب، أو نحو ذلك من كل ما يمكن الوفاءُ منه.
وذكر السيد المقترِح من المفاسد الراجعة إلى خرم نظام الاقتصاد أن في الوقف تحجيرًا على مستحقيه في تمام التصرف في أملاك مورثيهم، فيصيرون عالة على الهيئة الاجتماعية إلخ.
وجوابه أن من سعة الشريعة ومناسبة عمومها لسائر الأمم، وصلوحيتها لمختلف العصور والأجيال والأحوال، أن تجد في أحكامها ما يلائم تلك المختلفات. والرشداء صنفان: صنفٌ له مقدرة على إدارة أمواله وتنميتها بكده وعمله، وصنفٌ لا يقدر إلا على حفظ ماله من التلف، إلا أن هذا الصنف لم يبلغ بهم الحال إلى السفه أو العجز. فكما أن الأولين من مصلحتهم أن يكونوا ممنوعين من تفويت ما هو لهم؛ لأنهم لو أُطلق لهم التصرفُ لتعرضت أموالهُم للنفاد في ضائقات مالية تمر عليهم، أو نوائب زمنية تعتريهم. ولكنهم إذا لم يجدوا سبيلًا إلى تفويت الأحباس تجلدوا لمعاناة تلك الكوارث بما استطاعوا، ووجدوا من غلق باب الحيلة في وجوههم معذرةً لأنفسهم في الصبر والجلد، فحُفظت ثروتُهم لهم ولأعقابهم.