للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكم رأينا من نوائب مرت على بعض العصور، فكان للحبس فيها منافعُ جمعة أبقت على ثروة البلاد. والناس أكيسُ من أن يفكروا في منع أبنائهم وأعقابهم من مطلق التصرف في أموالهم ما لم يكونوا لمَحوا بوارقَ الأخطار تنذرهم بسوء المستقبل، والحبس لا يمنع مَنْ يكون من مستحقيه ذا مقدرة على تنمية المال من أن يكتسب لنفسه ثروةً مما يحصله من حظه من ريع الوقف. على أن هنالك أسبابًا لانتفاع المستحق ذي المقدرة بعقار الحبس:

١ - منها إمكانُ قسمة الحبس قسمة انتفاع، فإنها مما يُجبَرُ عليه المستحقون في المذهب المالكي، ومما يمكن الاتفاقُ عليه بينهم في نظر المذهب الحنفي، أو تقع المهايأة. (١) فمن سعة الشريعة الإسلامية أن كان التملك فيها نوعين: تملك أعيان بمنافعها، وتملك منافع فقط، لتصلح الشريعة بذلك لأصناف الناس ومختلف الأحوال.

٢ - ومنها أن من الواقفين مَنْ يجعل البيع للمستحقين عند الاحتياج أو عند اجتماع كلمتهم على البيع، فيصير المشتري مالكًا لذلك المناب الذي اشتراه، ويزول عنه وصف الحبسية.

٣ - ومنها أن أرض الوقف إذا لم يقدر المستحق على حرثها يسوغها من يحرثها، وكذلك ريع الوقف.

٤ - ومنها أن أرض الوقف يصح فيها عقدُ المغارسة، فتسلم لِمَنْ يغرسها شجرًا إذا كانت أصلحَ للغرس منها للحرث، وبعد بلوغ الأشجار حدَّ الإثمار تقسم الأرض والشجر بين الواقف والغارس على النسبة التي يغارسها لمثلها على اختلاف عوائد الأقطار.


(١) المهايأة لغة: المناوبة. "وهي عند الفقهاء قسمةُ المنافع على التعاقب والتناوب، وذلك بأن يتواضع المتشاركون على أمر فيتراضوا به، بمعنى أن كلًّا منهم يرضى بحالة واحدة ويختارها". والمهايأة نوعان: زمانية ومكانية. انظر حماد: معجم المصطلحات المالية والاقتصادية (دمشق: دار القلم، ١٤٢٩/ ٢٠٠٨)، ص ٤٤٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>