للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأعظم. (١) أخرج النسائي عن السائب بن يزيد (من الصحابة المتوَفَّى في سنة ٨٦ هـ) أنه قال: "كان الصاع على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مُدًّا وثُلُثًا بمدكم اليوم، وقد زيد فيه". (٢)

ثُمَّ لمَّا انتشر الإسلامُ في الأقطار استمر أهلُ كل قطر على الكيل بمكاييلهم المتعارَفَة، فتكاثرت المكاييلُ في بلاد الإسلام كثرة شديدة. ولا نشك في أن دواعيَ لم نطلع عليها دعت بعضَ أمراء المدينة إلى إحداث مكاييل في المدينة لم تكن في الزمن النبوي ولا في مدة لخلفاء: أحدث هشام بن المغيرة أمير المدينة مدًّا وصاعًا أكبر من مد النبي - صلى الله عليه وسلم - وصاعه، وهما المعروفان بمد هشام وصاع هشام، وبالمد الأعظم والصاع الأعظم، وأحدث عمر بن عبد العزيز مدًّا دُعيَ بالمد العمري.

وأحسبهم ما أحدثوا ذلك إلا لتيسير سرعة كيل الأعطية من بيت المال، وما يؤخذ على التجار وأهل الخراج من الأرزاق العائدة إلى بيت المال. ولكنهم كانوا لقرب العهد ولدقة الضبط في مأمن من المخالفة لمقدار الصاع النبوي، ولذلك نجدهم يقدرون تلك الأصواعَ المتداولة بينهم بما يوازي الصاعَ النبوي.

فلما اتسعت الأقطارُ وتباعدت العهود، تطرقت الغفلةُ أو الجهالة رويدًا بمقدار الانتساب بين مكاييل الأمصار وبين الصاع النبوي، ومن ثم تجد الفقهاء إذا أرادوا أن يقدروا المكاييل الشرعية قارنوها بمقادير مكاييل أمصارهم وموازينها من مكي وشامي وبغدادي وأندلسي، كما يراه المزاول كتب الفقه.


(١) انظر مزيدَ بيان للمصنف في هذا الشأن في كتابه كشف المغطَّى، ص ١٥٦ - ١٥٧. قال ابن العربي في مسألة الأوزان في شرحه لكتاب الزكاة من الموطأ: "والذي يكشف الغطاء فيه أن تعلم أن الله تعالى استأثر رسولَه بجميع العلوم. فلما مات غُيِّرت الشرائعُ شيئًا بعد شيء، من الأذان إلى الصلاة إلى آخر رزمة الشرائع، حتى انتهى التغيير إلى الكيل، فغيَّره هشام والحجاج، فغلب المدُّ الهاشمي والحجَّاجي على مد الإسلام. وغُيِّرت الدراهم والدنانير واختلط ضربها، ودخل عليها من الزيادة والنقصان واضطراب الأقوال ما لو سمعتموه لعلمتم أنها لا تتحصل أبدًا. . ." المسالك، ج ٤، ص ٢١.
(٢) سبق تخريجه.

<<  <  ج: ص:  >  >>