للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن العجب أن زجت الغفلةُ ببعض أهل العلم في اعتقاد أن الأخذَ بما هو محقق الوفرة أسلم؛ لأنه أحوط؛ لأن فيه يتحقق مقدارُ الصاع النبوي وزيادة! وقد غفلوا عما يفوت بذلك من فضل اتباع السنة، وعما يجر إليه ذلك من الإجحاف؛ إذا كانت بعضُ المكاييل الرائجة أو التي ستوجد ناقصةً عن مقدار الصاع النبوي.

وقد روى البخاري في كتاب الأيمان عن منذر بن الجارود عن أبي قتيبة البصري عن مالك عن نافع، قال: "كان ابن عمر يعطي زكاةَ رمضان بِمُدِّ النبي - صلى الله عليه وسلم - المدِّ الأول، وفي كفارة اليمين بمدِّ النبي - صلى الله عليه وسلم -. قال أبو قتيبة: قال لنا مالك: مدُّنا أعظمُ من مدكم (يعني البركة والفضل)، ولا نرى الفضل إلا في مد النبي - صلى الله عليه وسلم -. وقال لي مالك: لو جاءكم أميرٌ فضرب مُدًّا أصغرَ من مد النبي - صلى الله عليه وسلم - بأي شيء كنتم تعطون؟ قلت: كنا نعطي بمدِّ النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال: أفلا ترى أن الأمر إنما يعود إلى مد النبي؟ " (١)

وفي "المعيار" نقل جوابَ الحفار والقاضي (٢) عن سؤال عن العمل بقول فقيه قال إن زكاة الفطر بالوزن إعطاءُ أربعةِ أرطالٍ من الطعام ما نصُّه:

"وأما الفقيه الذي قال إن زكاة الفطر تخرج بالوزن أربعة أرطال، فقد أخلَّ بقاعدة شرعية. فإنه لو استفتاه رجلان يجب على أحدهما قمح؛ لأنه قوتُ بلده، فأفتاهما بأن يخرج كلٌّ منهما أربعةَ أرطال، فقد جزمنا بأن أحدهما خالف السنة؛ لأن الصاع النبوي إن كان يسع أربعة أرطال من الشعير، فإنه يسع أكثرَ من ذلك من القمح والعكس بالعكس. فإنا وجدنا أهلَ المدينة لا يختلفون في أن مده - صلى الله عليه وسلم - ليس


(١) صحيح البخاري، "كتاب كفارات الأيمان"، الحديث ٦٧١٣، ص ١١٥٩. والمقصود بالمد الأول مُدُّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قبل أن يُزاد فيه.
(٢) الحفار هو أبو عبد الله محمد بن علي المشهور بالحفار الأنصاري الغرناطي، وإمامها ومحدثها ومفتيها، ملحق الأحفاد بالأجداد، الفقيه العلّامة القدوة الصالحة الفهامة، أخذ عن ابن لب، لازمه وانتفع به وغيره، وعنه خلق كابن سراج وأبي بكر بن عاصم، له فتاوى نقل بعضها في "المعيار". توفي عن سن عالية سنة ٨١١ هـ/ ١٤٠٨ م. "شجرة النور الزكية" ١/ ٣٥٥، الترجمة (٩١٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>