يعادل صاعٌ وثلثٌ منه صاعًا تونسيًّا، فيكون قوله "بكيل تونس"، أي بصاع تونس، وعلى كل حال فالشيخ غير متحقق.
ووقع في خطبة جمعة آخر رمضان من خُطَب العلامة شيخنا سيدي سالم بو حاجب (١) عند ذكر زكاة الفطر ما نصُّه: "وهي صاعٌ بصاع نبينا - صلى الله عليه وسلم -، أي أربعة أمداد، ويوافقه الصاع المعروف الآن بهاته البلاد". وهذا يخالفُ ما نقله الشيخ
(١) هو سالم بن عمر بن سالم بوحاجب، ولد سنة ١٨٢٧ م بقرية بنبلة من قرى السّاحل التّونسي. نشأ نشأة قروية، وكان وقته موزعًا بين القيام بأعمال زراعية تناسب سنّه في ضيعة أبيه وحفظ القرآن وتعلم أصول الخط الكتابة. ثم انتقل إلى مدينة تونس العاصمة والتحق سنة ١٨٤٢ م بجامع الزيتونة، حيث أخذ العلوم الشّرعيّة عن الشّيوخ محمد الخضار المالكي، ومحمد ابن الخوجة الحنفي، ومحمد النّيفر المالكي، أمّا علوم العربيّة فأخذها عن الشّيخين محمد حمدة ابن عاشور المالكي، ومحمد معاوية الحنفي. كان مبرزًا بين أقرانه، وكان ذا ذكاء حاد وفكر وقاد، ميالًا إلى التعمق في المسائل، الأمر الذي أكسبه تقدير شيوخه وإعجابهم. ولم يكن في تحصيله العلمي يقتصر على مجرّد حضور الدّروس التي كان يلقيها الشّيوخ، بل كان ذا دأب كبير على مطالعة أمّهات الكتب وأعاليها، مثابرًا على التنقيب والبحث في المسائل، حريصًا على ضبط المعاني والألفاظ. بدأ سالم بوحاجب التّدريس بجامع الزّيتونة سنة ١٢٦٥/ ١٨٤٨ واستمرّ في ذلك حتى سنة ١٣٣٠/ ١٩١١، فتخرجت عليه أجيالٌ من الدارسين منهم من صار من أبرز علماء الزيتونة كالمصنف. سُمِّي مفتيًا مالكيًّا سنة ١٩٠٥ م، ثمّ رئيس المفتين المالكيين سنة ١٩١٩ م. وقبل ذلك قضى مدّة بأوروبّا - وخاصّة إيطاليا - من سنة ١٨٧٣ م إلى سنة ١٨٧٩ م مرافقًا للجنرال حسين في مهمة رسمية تخص ما عُرِف بقضية نسيم شمامة ضابط المالية العامة للدّولة التونسية الذي فر من البلاد بعد أن تورط في العديد من التجاوزات المالية. كان بوحاجب من حداة حركة الإصلاح التي شهدتها تونس في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، وكان أحد أقرب المقربين للوزير المصلح خير الدين باشا ومن أحرص المتعاونين معه في سبيل ذلك، وهو أهم من اعتمد عليهم خير الدين في تأليف كتابه الذائع الصيت "أقوم المسالك". لم يترك الشّيخ سالم بوحاجب من الآثار العلمية إلا إنتاجًا يسيرًا، حيث اقتصرت تآليفه على أختام الحديث على الموطإ والبخاري، ومنها شرح مخطوط على العاصمية في الفقه. وقد ذكر له بعض المؤرخين ديوان شعر في جزءين بخطّ يده، إلا أنه لا يعرف عنه شيءٌ حتى الآن. وقد عرف بوحاجب بقوة تأييده لكل مظاهر حركة الإصلاح وإسهامه في أوجه نشاطها، ومنها إنشاء جريدة الحاضرة سنة ١٨٨٨ م وتأسيس الجمعية الخلدونية عام ١٨٩٧ م، وغيرها. توفِّيَ الشّيخ سالم بوحاجب بالمرسى بضاحية مدينة تونس في ١٤ من ذي الحجّة ١٣٤٢/ ١٦ يوليو ١٩٢٤.