للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن المعلوم أن ميزان الليترة التي هي وحدة المكاييل التونسية في هذا الزمان هو ألف غرام من الماء المغلَّى، فيكون الصاعُ النبوي يسع ليترتين ونصفَ عُشُر الليترة، وهذا مما لا مريةَ فيه. ثم إنا اعتبرنا هذا بضابط ابن حبيب، فكِلْنَا أربعَ حفنات بكفَّيْ رجل متوسِّط اليدين غير مقبوضتين ولا مبسوطتين، فوجدنا ذلك يعادل ليترتين ونصف عُشُر الليترة. وقد صدرت الفتوى مني بتقدير الصاع النبوي بهذا المقدار من عام ١٣٤٤ هـ وهلم جرًّا، ونُشِرت بجرائد تونس وبمصر وبجرائد ومجلات المغرب والمشرق في عدة سنين، وتلقاها أهلُ العلم بالقبول.

أما الصاع المستعمل في تونس قديمًا قبل تصيير مكاييلها إلى وحدة الليترة، فقد تردد بعضُ أهل العلم من التونسيين في نسبته من الصاع النبوي. فرأيتُ للعلامة القاضي الشيخ إسماعيل التميمي (١) في جواب له من خمس مسائل سئل عنها، منها تعيين ما يلزم في زكاة الفطر بصاع تونس، فأجاب بقوله: "الذي سمعناه من شيوخنا أن الصاع النبوي، هو بكيل تونس صاعٌ وثلثُ صاع. واختبرته بِمُدٍّ عندي فوجدته صحيحًا، واختبروه أنتم إن شئتم بالحفنات. نقل القباب عن ابن حبيب أن الصاعَ النبوي أربعُ حفناتٍ باليدين جميعًا بكف الرجل الذي ليس بعظيم الكفين". (٢)

وظاهرُ هذه العبارة أن الصاع النبوي يَعْدِل صاعًا وثلثًا تونسيًّا، فإذا كان ذلك مرادَه، كان الشيخُ غيرَ متحققٍ مقدارَ الصاع من صاع تونس؛ لأنه ذكر أنه اختبر صاع تونس بِمُدٍّ عنده، ولم يثق بصحة تقدير المد الذي عنده حتى يجعله أصلًا يُرجَع إليه. فلذلك أحال السائلَ على اختبار ذلك بنفسه، وعلى الرجوع إلى التقدير بالحفنات. ويحتمل أن يكون مرادُه أن الصاع النبوي إذا نُسب إلى صاع تونس كان


(١) هو العلّامة المحقق أبو الفداء إسماعيل التميمي، شيخ الإسلام المالكي بتونس، توُفِّيَ سنة ١٢٤٨ هـ/ ١٨٣٢ م.
(٢) لم يتسن لنا الاطلاعُ على المسائل المشار إليها، ولا نعلم أنها طبعت. ولعل الله يقيض لها ولغيرها من الآثار العلمية المغمورة مَنْ يتولَّى تحقيقها وإخراجها للناس.

<<  <  ج: ص:  >  >>