ولا التفاتَ إلى غير ذلك من التقادير التي عالجها كثيرٌ من الناس فلم يحصلوا على طائل، إذ انتشروا في طرق التقريب بأسماء المكاييل المختلفة باختلاف العصور والبلدان، مع أن أسماء المكاييل والموازين غيرُ منضبطة المسمَّيَات ولا متحدةٍ في بلدان المسلمين، فهنالك المدني والمكي والبغدادي والشامي والقرطبي والقيرواني والمصري والتركي وفروعها.
وحسبُك أن لنا في القطر التونسي في القديم عدةَ مكاييل وموازين تتحد أسماؤها وتختلف مسمياتُها باختلاف المدن واختلاف أصناف المكيلات والموزونات، فيوجد القفيز التونسي والقفيز الباجي لكيل الحبوب، ويوجد المطر التونسي والمطر السوسي لكيل الزيت، ويوجد الرطل العطاري والرطل الخضاري. فالمرجع إلى التقدير الشرعي، فهو الذي يتضح به الواجبُ في الزكاة.
ثانيها: طلب توجيه الفرق بين عدم اعتبار مصاريف الأرض في مثل الكراء والتسميد بالفسفاط وبالغبار حيث جعلناها غير موجبة لإخراج نصف العشر، وبين اعتبار الشريعة السقي بالآلات والدواليب والماء المشترَى موجبة لإخراج نصف العشر في زكاة الحبوب والثمار.
والجواب أن بيان الفرق في ذلك أن المنصوصَ في السنة الصحيحة والذي أخذ به أئمة فقهاء الأمصار أن لا ينقص المقدار الواجب في زكاة الحبوب والثمار عن العشر إلى نصف العشر إلا فيما يُسقَى بالدواليب والنواعير ونحوها مما فيه نفقة على جلب الماء للسقي، ولم يلتفتوا إلى مصاريف الخدمة والغبار مع أنها لا تخفى. وكذلك التسميد بالفسفاط وغيره، وكذلك الحرث والدرس بالآلات التي تستدعي نفقات.
وتوجيهُ ذلك فيما يظهر لي أن تسميد الأرض واستعمال الآلات الحديثة للحصد والدرس لا يتوقف عليه حصول الحب والثمار، بل إنما يزيد به المقدار المتحصل منهما أو يفيد الفلاح سرعة في استحصال نتائج فلاحته بحيث يستطيع