بيعها باكرًا والأمن عليها من العاهات ومن التلاشي وإعادة حرث أرضه باكرًا. وذلك كله يستفيد منه الزارع أو الغارس زيادة ثروة، مثل استفادة فرص التجارة، فيتعين الأداء على ذلك المتحصل، ولا وجه للنقص منه. فهو كالأداء على أرباح التجارة؛ لأنها أموالٌ مستفادة من بزيادة العمل.
بخلاف السقي بالماء المجلوب بالآلات أو بالثمن؛ فإن السقي يتوقف عليه وجود الزرع والثمر، إذ لا يوجدان بدون ماء، فالماء مع الأرض هما الركنان لتكوين الزرع، قال تعالى: {أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ (٦٣) أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ (٦٤)} [الواقعة: ٦٣, ٦٤]، ثم قال: {أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ (٦٨) أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ (٦٩)} [الواقعة: ٦٨, ٦٩]، وقال:{وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ}[الأنبياء: ٣٠]، وقال: {فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ (٢٤) أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا (٢٥) ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا (٢٦) فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا (٢٧) وَعِنَبًا وَقَضْبًا (٢٨) وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا (٢٩)} [عبس: ٢٤ - ٢٩].
فجعل الأصلَ صبَّ الماء وشق الأرض، وكان شأن الماء أن يجعل في الأرض بدون كلفة، فهو ينزل عليها مطرًا أو ينساق إليها سيحًا أو واديًا. فكان الإنفاق على جلب الماء للزرع أو الغرس يكلف صاحبه كلفًا غير معتادة في الغالب، وهو مضطر إلى ذلك الإنفاق لتحصيل الزرع إذ بدونه لا ينبت. فلذلك كان حريًّا بالحط عن جالبه من المقدار الواجب أداؤه في الزكاة.
وبهذا التقرير يظهر الفارقُ بين الماء المجلوب بالدواليب وبين التسميد بالفسفاط والخدمة بالآلات الجديدة، وهو فارقٌ مؤثّرٌ يمنع قياسَ هذه على ذلك، وإن تساويَا في أصل الكلفة والنفقة.
ثالثها: بيان إخراج القيمة عينًا عِوضًا عما وجب دفعُه في زكاة الحبوب والثمار، وذلك أن الأصل هو أن تُدفع الزكاةُ من عين ما وجبت فيه، لكن إذا أجبر المزكي على دفع القيمة - كما هو واقع في دفع العشر عندنا بتونس - فذلك مجزئ، نص عليه في المدونة. على أن ابن القاسم روى عنه صاحباه أبو زيد ابن أبي الغَمر