الرابع: البيوع التي تؤول إلى الربا، وهي التي تعتريها تهمة كون التعامل بها على الصفات المذكورة فيها، لأجل التوصل إلى نوع من أنواع الربا المتقدمة.
فأما إجراء أحكام الربا بالمعنى الأول على المعاملة فيها، فلا حاجة للتنبيه عليه لوضوحه، إذ كل ما أدى إلى انتفاع المتسلف ممن سلفه فهو حرام، سواء كان التعامل بالنقدين أم بغيرهما.
وأما إجراء أحكام الربا بالمعنيين الثاني والثالث، فهو متصور فيها؛ إذ لا يقصد التعامل بذواتها حتى تباع الورقة بورقتين أو تباع الورقة بمثلها نسيئة، وإنما النظر إلى قيمتها.
وأما إجراء أحكام الربا بالمعنى الرابع، فهو محل النظر ومناط السهم من الوتر، ولا بد أن نلم بما يحتمل من صور التعامل بها ثم ننزله على أحكامه ونلهم شارده بزمامه. وذلك أن إعطاء الورقة قد يكون في شراء أشياء، وقد يكون لقبض قيمتها نقدًا، وقد يكون مبادلة لها بورقة أو أوراق أخرى. وفي كلٍّ إما أن تُعطى الورقة لِمن هي دين عليه، أعني "البانكة" التي روجتها أو تُعطى لغيرها. فتلك سِتُّ صور.
فأما تسليمها لمن هي دينٌ عليه، أعني "بانكتها"، فإن كان لقبض قيمتها عينًا فهو اقتضاء دين وهو صحيح، وإن كان لقبض أوراق أخرى تساويها فهو استبدال حجج، كما يكون له دين على آخر في صك واحد فيستبدلانه بصكوك متعددة وهو جائز.
وقد يُتوهم بادئ النظر أنه فسخُ دينٍ في دين، ولكن لا توجد حقيقةُ فسخ الدين في الدين منطبقةً عليه؛ لأن تلك الحقيقة عبارةٌ عن أن يكون شيء في ذمة شخص فيفسخه شيء آخر لا يتعجله ربُّ الدين، أي بتجديد دين آخر عوضه. وإنما يقع ذلك غالبًا مع اختلاف جنسيْ الدَّينين، وقد يكون مع اتحادُهما بزيادة في الثاني ليُتوصَّل في الحالين إلى المراباة مستورة تحت صورة دين جديد. (١)
(١) انظر للمزيد من التفصيل حول فسخ الدين في الدين عند الدردير: الشرح الكبير وحاشية الدسوقي، ج ٣، ص ٦١ - ٦٢. هذا وعبارة "فسخ الدين في الدين" من المصطلحات الفقهية =