للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعُلِّل منعُه بما ذكره الإمام المازري في شرح التلقين بأن التأخير لا يقع غالبًا إلا وقد زاد المدينُ لرب الدين في مقدار ما يعطيه له لو عاوضه عن دينه بدون تأخير، وهذه الزيادة في القيمة لأجل التأخير كسلف جرَّ نفعًا. (١) وعليه فلما اتحد الدينان وانتفت الزيادةُ انتفت العلة، وكان ذلك مجرد استبدال حجة ولا قصد لتجديد التداين. وأما تسليمها للبانكة لشراء أشياء فذلك جائز؛ لأن بيع الدين بغير جنسه جائز بشروط، وهي موجودة.

وأما تسليم هاته الأوراق لغير من هي عليه، أعني التعامل بها مع غير "البانكة" المروجة لها، فإن كان التعامل بها في شراء سلع، فهو بيع الدين بغير جنسه، وقد علمت جوازه. وإن كان لقصد قبض دين مخالف لما وقع به التداين، أعني أنه مخالف لما وقع عليها كأخذ ذهب عن ورقة رقم عليها أنها ذات فرنكات، فهو جائز لا محالة؛ لأنه من صرف ما في الذمة في غير جنسه مع حلول الدين.


= للمالكية، والمراد منه ما هو معروف عند سائر الفقهاء باسم "بيع الكالئ بالكالئ" وهو معنى بيع الدين بالدين. ويندرج ذلك في تقسيم فقهاء المالكية "بيع الكالئ بالكالئ النهي عنه شرعًا إلى ثلاثة أقسام: ابتداء دين بدين، وفسخ دين في دين، وبيع دين بدين". ويطلق مصطلح "فسخ الدين في الدين" عندهم على أمرين: "أحدهما بيع دين مؤخر - سابق التقرر في الذمة - إلى أجل آخر بزيادة عليه. وقد أجمع الفقهاء على حرمته وفساده، إذ هو نفس ربا الجاهلية"". والثاني "بيع دين مؤخر - سابق التقرر في الذمة - للمدين لما يصير دينًا مؤجلًا من غير جنسه. فيكون مشتري الدين نفس المدين، وبائعه هو الدائن. وقد ذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والشافعية والمالكية والحنابلة إلى حظره، وحكى الإمام السبكي الإجماع على منعه. وخالفهم في ذلك ابن تيمية وتلميذه ابن القيم، فذهبا إلى جوازه". حماد: معجم المصطلحات المالية والاقتصادية في لغة الفقهاء، ص ٣٥٣ - ٣٥٤. انظر مزيد تفصيل في: حماد، نزيه: دراسات في أصول المداينات في الفقه الإسلامي (الطائف: دار الفاروق، ط ١، ١٤١١/ ١٩٩٠)، ص ٢٣٥ - ٢٨١.
(١) قال المازري: "وقد كانت الجاهلية [تقول]: إما أن تقضي، وإما أن تربي. فإذا حل أجل الدَّيْن وهو في المثل عين، فإنه إذا أخَّره بزيادة فيه فهذا يحرم؛ لأن التأخير للدَّيْن بعد استحقاق قبضه كسلفَه من هو عليه. والزيادةُ في مقدارٍ عوضَ التأخير هي زيادة عوض السلف، وقد عُلم تحريم سلف جر نفعًا". المازري: شرح التلقين، ج ٤، (٢٠٠٨)، ص ٣٧٢ - ٣٧٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>