للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالتدريج في صناعتهم، فارتقوا بسبب ثقة الناس بهم إلى أن صاروا زيادة على تصريف النقود يقبلون الأماناتِ والأموالَ المراد توجيهُها للبلدان القاصية، فيحولون دفعها على شركائهم في تلك البلدان، ويسلفون الأموالَ برهن وغير رهن، ويشترون الديونَ فيحتالون على المدينين في مقابل إسقاط قليل. فصار محلُّ الصرف المسمى بالبانكة محلَّ مساعداتٍ مالية، وانقسمت البنوكُ بحسب اشتغالها إلى ثلاثة أقسام:

١ - مستودعات تؤمن فيها الأموال، وللترغيب في الإتيان بالأموال إليها تعطي لأرباب الأموال أرباحًا قليلة تتحصل من التجارة بها.

٢ - مصارف لتحويل أوراق ديون أو صكوك أو ضمانات، أو تصريف نقود البلاد الأجنبية الناقصة رواجًا في مقابل إسقاط من الأصل.

٣ - مروِّجات أوراق، بمعنى أن تجعل رأس المال من الذهب متحصلًا مما دفعه المؤسسون بالاشتراك، أو بوضع الحكومة لها بأيدي أناس مكلفين بها، ثم تروِّج أوراقًا ذات قيم معينة وتُكثر منها بما يتجاوز مقدارَ رأس المال على نسبةٍ مصطلح عليها داخلة تحت القوانين الاقتصادية. (١) وتسلم تلك الأوراق بيد مَنْ يأتِي لها بمال يطلب توجيهَه لجهة من البلاد التي بها فروعٌ لتلك البانكة، أو لمن يريد استخفافَ حمل، أو نحو ذلك، على شرط أنها تَدفع لِمَن يريد قبضَ المقدار المرسوم على تلك الورقة نقدًا عندما يريد ذلك. وتُروِّج كثيرًا منها أيضًا بين شراء سلع أو إسلاف الناس برهن أو في تجارة. وذلك كله على معنى أن حاملَ تلك الأوراق له على البانكة دين بمقدار ما رقم على الورقة من القيمة.

ولما كان من المحقَّق أن لا يتمالأ الناسُ على تصريف جميع الأوراق دفعةً واحدة، كان المقدارُ الموجود من النقد بخزينة البانكة يفي بتصريف ما يُعتاد تصريفُه


(١) وهذا ما يسمى بعملية "خلق الائتمان" (credit creation) التي تقوم بها البنوك التجارية وفق ضوابط وحدود معينة يتولى وضعها عادة البنك أو المصرف المركزي وفق اعتباراتٍ اقتصادية ومالية ونقدية.

<<  <  ج: ص:  >  >>