للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فمظنة الوصف الأول هي التي أوجبت تقديرَ النُّصُب (جمع نصاب) حتى يكون المالُ ذا بال، نظرًا لقول المازري فيما تقدم: "وكأنه (أي الشرع) لم ير فيما دونها (أي النصب) محملًا (أي للزكاة) ". ومظنةُ الوصفِ الثاني هي التي أوجبت تخصيصَ الزكاة بأجناس دون أخرى.

والأجناس (١) هي الحرث من حبوب وثمار مقتاتة، كالتمر والزيتون. وزكاة هذا الجنس ثابتة في قوله تعالى: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [الأنعام: ١٤١]؛ إذ الصحيح أن الحق هو "الصدقة المفروضة"، وهذا أحدُ ثلاثة أقوال ذكرها ابنُ العربي في أحكامه، وقال إنه رواية "ابن وهب وابن القاسم عن مالك في تفسير الآية". (٢) والماشيةُ وزكاتها ثابتة من السنة، ولم يتعرض لها القرآن. والعين من ذهب وفضة؛ لأنهما قيمةُ الجنسين المتقدمين، وزكاتُهما ثابتٌ بعضُها بالسنة وهي الفضة، وبعضُها بالإجماع المستند للقياس وهو الذهب.

قال مالك رحمه الله في الموطأ: "السنةُ التي لا اختلافَ فيها عندنا أن الزكاة تجب في عشرين دينارًا عينًا، كما تجب في مائتي درهم"، (٣) فقال عليه ابن عبد البر في التمهيد: "إنما قال السنة عندنا إذ لم يثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - شيءٌ في تحديد نصاب


(١) قال ابن العربي في بيان أجناس ما تجب فيه الزكاة: "وأطبق العلماء على أن الزكاة في الأموال النامية: العين والحرث والماشية. فالحرث في أربع: في النخل والكروم والزيتون والحبوب، والعين في أربع: في الذهب والورِق والمعدن والركاز، والماشية في ثلاث: الإبل والبقر والغنم". المسالك، ج ٤، ص ٢٢. وانظر دراسة شاملة مقارنة لأحكام الزكاة وفلسفتها والأموال التي تجب فيها وما يرتبط بها من صور تطبيقية في: القرضاوي، يوسف: فقه الزكاة (بيروت: مؤسسة الرسالة، الطبعة السابعة، ١٤٢٢/ ٢٠٠١).
(٢) أما القولان الآخران اللذان ذكرهما ابن العربي فأحدهما أنه "الصدقة غير المفروضة تكون يوم الحصاد وعند الصِّرام، وهو إطعام مَن حضر والإيتاء لمن غبر"، وبه قال مجاهد. وأما الآخر فهو أن معنى الآية "منسوخ بالزكاة"، وهو قول ابن عباس. ابن العربي: أحكام القرآن، ج ٢، ص ٢١٠.
(٣) الموطأ برواياته الثمانية، "كتاب الزكاة"، الحديث ٦٣٦، ج ٢، ص ٢٣٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>