للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قلت: وبمقدار تكرر النماء تتكرر الزكاة، ألا ترى الحبَّ والتمر يُزَكَّيان مرةً واحدة، ثم لا تُعاد عليهما الزكاةُ ببقائهما مدخَرَيْن؟ بخلاف الماشية والعين فيزكيان؛ لأنه مظنة تكرر النماء فيهما.

هذا وقد ألْحقوا بهذه الأجناس كلَّ ما شاركها في الوصف، وهو كونُه غنى قابلًا للنماء أو معرَّضًا لذلك، مما لم يُنصَّ عليه في الكتاب والسنة. وذلك بطريق القياس، وسواءٌ في ذلك أكان الوصفُ متحقِّقًا في الخارج أو متحقِّقًا في التقدير، وذلك ديونُ التجارة ونحوها، كما يأتي تفصيلُه في زكاة الدين. (١) قال ابن عبد البر في الكافي: "فمتى عوض بغيرها (الأجناس المتقدمة) من العروض معناها بالتجارة وطُلب بالتصرف فيها النماءُ والزيادة، حُكِم لها بحكمها". (٢)

فيُستخلص من جميع ما قدمنا أن الزكاة مشروعةٌ لأجل الغنى الحاصل بالمقدار والنماء، في أجناس يُعد تحصيلُها محصلًا لما يحتاج إليه الإنسان، أو صالِحًا للمعاوضة به مع الغير بما يحصل من الأمور المحتاج إليها، أو بكونه قيمةً لطرد التعامل بها. فكلُّ مال من هذا القبيل يُعَدُّ صاحبُه غنيًّا في مصطلح جمهور البشر، ويجدر بأن يُلحق بأقرب الأجناس لها شبهًا مما ورد النصُّ فيه من الكتاب أو السنة أو أقوال الأئمة، كما ألحق الصحابةُ الذهبَ بالفضة، وألحق الفقهاءُ بعدهم عروضَ التجارة وديونَها لقبولها للنماء. (٣)

وقد نبَّهنا الشارعُ الحكيم على صحة هذا المعنى بطريق قياس العكس، حيث أسقط الشارع الزكاة على الذهب والفضة المتخذين حليًّا نظرًا إلى انقطاع معنى قصد النماء. قال ابن العربي في أحكام القرآن عند قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ


(١) انظر بيان ذلك في مقال سلف بعنوان "زكاة تذاكر البانكة".
(٢) ابن عبد البر: الكافي، ص ٨٨.
(٣) ابن العربي: المسالك، ج ٤، ص ٢٢ - ٥١؛ ابن رشد: المقدمات الممهدات، ج ١، ص ١٣٩ وص ١٤٩ - ١٥١؛ ابن رشد: بداية المجتهد ونهاية المقتصد، ص ٢٤٥ - ٢٤٩ وص ٢٥٩ - ٢٦٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>