للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ} [التوبة: ٣٤]: "إن قصدَ التَّملك لمَّا أوجب الزكاةَ في العروض، وهي ليست بمحلٍّ لإيجاب الزكاة، كذلك كان قصدُ قطع النماء في الذهب والفضة باتخاذهما حليًّا يُسقط الزكاة، فإن ما أوجب ما لم يجب يصلح لإسقاط ما وجب، [وتخصيص ما عم وشمل] ". (١) وقال في القبس: "فإذا خرج المالُ عن أصله من النماء إلى القنية، فقد عدل به عن جهة النماء"، (٢) فلذلك قلنا بسقوط الزكاة في الحليِّ المتخذ للقنية.

وعليه فلا يبعد أن يقول أحدٌ بمشروعية الزكاة في أوراق البانكة كزكاة النقدين، بأن تكون زكاتُها أوسعَ من زكاة الديون، فتجب فيها في كل عام على قدر قيمة رواجها في الصرف، حيث صار لها من الرواج ما للنقدين، وجُعِلتْ ثمنًا للأشياء، وقُصد بتقليبها النماء، وكان تحصيلُها غنًى معتبرًا. وهي وإن كانت في الأصل حججًا تُحَمِّل البنوك بمقدار ما فيها كما بيناه في غير هذا، (٣) ولكن عرض لها من ثقة الناس بملأ المدين بها مع ضمان الحكومة وإجرائها مجرى النقدين في الرواج، كانت لذلك كالنقدين. (٤) إلا أن رواجَها خاصٌّ بحكومتها، أو بالبلاد التي


(١) ابن العربي: أحكام القرآن، ج ٢، ص ٤٠٠.
(٢) المعافري: كتاب القبس، ج ١، ص ٤١٥ - ٤١٦. أورد المصنف كلام ابن العربي بتصرف واختصار، وقد جاء ذلك خلال حديثه عن زكاة الورق والذهب حيث قال: "واجتمعت الأمة على أن الذهب داخلٌ في قوله: خمس أوق، وإنما خص الورق في الحديث الثاني لأنه كان مالهم، إنما كان التبر عندهم سلعة والمسكوك قليل. وإلا فلا خلاف بين الأمة، وإنما اختلفوا في فرع من فروعه وذلك إذا اتخذ منه حليًّا. . . والمعوَّل فيها على نكتة بيناها في مسائل الخلاف أقواها أن النية والقصد المتغلق بالنماء والزيادة إذا أخرج المال من جنسه بسقوط الزكاة، وهو العوض، فيجب فيه إذا قصد به النماء وأخرج عن أصله من القنية لذلك العين إذ عدل بها عن جهة النماء إلى جهة القنية يخرج عن جنسها في وجوب الزكاة بسقوطها". ولا يخفى ما في هذا الكلام من اضطراب وتكرار لعله هو الذي حدا بابن عاشور إلى التصرف فيه.
(٣) انظر مقال: زكاة "تذاكر البانكة" (الأوراق المالية).
(٤) هذا وقد خص الشيخ الساعاتي مسألة زكاة الأوراق المالية ببحث ممتع في شرحه على مسند أحمد بن حنبل (آخر باب زكاة الذهب والفضة من كتاب الزكاة)، ختمه بقوله: "فالذي أراه حقًّا وأدين =

<<  <  ج: ص:  >  >>