وغلال الزيتون يجوز رهنُها، ولا يضر عدمُ تحقق المقدار المتحصل؛ لأن الغرر في الرهن مغتفر. ولا يضر عدمُ حوزها في وقت القرض؛ لأن الرهن ينعقد ولو تأخر قبضُ المرهون، (١) فإن الغلة لا تحاز مرة واحدة، بل تُجنى بعد النضج بطنًا بعد بطن. وحيث كانت غلة الزيتون إنما تُقصد لزيتها، فالمقصود من التوثقة هو الزيت الحاصل من عصرها، فلذلك لزم أن يكون عصرُ الغلة عند المقرض تحقيقًا لمبادرة الحوز بقدر الإمكان.
ثم إن محل النظر ومناط السؤال هو ما في هذه المعاملة من انجرار منفعة لصاحب المعصرة الذي هو المقرض، وهي منفعةُ أجرة عصر ذلك الزيتون في معصرته. فإذا نظرنا إلى هذه الأجرة وجدنا المقترض لا مندوحةَ له عن دفعها، سواء عصر في معصرة مقرضه أم في معصرة رجل آخر. ولو قدرنا أن هذا المقترض لم يقترض، ولم يرغب في عصر زيتونه وباعه حبًّا، فلا شك أنه يبيعه بثمن ناقص عن ثمن الزيت نقصًا بنسبة ما يزاد في ثمن الزيت من مصاريف العصر والخزن، وهذا أمر معلوم. فهذه الأجرة من هذا الوجه غيرُ مسبَّبة عن القرض، بل هي مسببة عن وجود غلة الزيتون، وناشئة عن ثمنها، وكائنة فيه تقديرًا. فهي في هاته الحالة منفعة للمقرض لا مضرة فيها على المقترض، ولم يتكلفها لأجل القرض.
ثم إنا نجدها راجعةً إلى المقترض في مقابلة عمل العصر ومصاريفه، فالمقترض من هذه الجهة كواحد من الناس الذين يعصرون في تلك المعصرة، فلم تبق فيها من فائدة للمقرض إلا فائدة تحقق وجود مقادير من الزيتون لتشغيل معصرته. ولو كلف المقرض أن يعصر زيتون المقترض بدون أجر لكان ذلك ضررًا يدخل على المقرض لما تستدعيه المعاصرُ من نفقات وأجور الخدامة، فتبين من هذا أن في مثل هذه المعاملة منفعتين:
(١) قال المازري: "اختلف الناس في لزوم الرهن بالقول دون القبض، فذهب مالك رحمه الله أن الرهن يلزم بالقول ولا يفتقر كونه عقدًا لازمًا إلى القبض". المازري: شرح التلقين، ج ٨، ص ٣٦٦. وانظر الدردير: الشرح الكبير، ج ٣، ص ٢٣٢.