للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٢ - وهناك نَحْوٌ ثان يرجع إلى التعبير عن صورةٍ من الأحكام أو باب منها بعبارة لم ترد لذلك الباب بخصوصه في لسان الشرع، ولكنها استُمِدت من تعبير شرعي، فلا يختلف عن المعنى المقصود. فانتُزِعت للمعنى المقصود، وخصصت به، وأصبحت حقيقةً عرفية فيه، كتعبير الإمام في الموطأ عن ميراث الولد والدَهم أو والدتَهم باسم "ميراث الصلب"، وهو التعبير الذي شاع بعد ذلك بين الفرضيين؛ قال القاضي أبو بكر ابن العربي في شرحه على الموطأ المسمى "القبس": إن مالكًا - رضي الله عنه - هو أول مَنْ عبر بهذه العبارة أخذًا من قوله تعالى: {يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ (٧)} [الطارق: ٧]. (١)

٣ - ونَحْوٌ ثالث يرجع إلى تعبير تقرر عند فقهاء المدينة من قبل اعتمده مالك وعبر به، وطبقه على محله، وفصل صوره، كما في لفظ "العُهدة" في تقسيمها إلى عهدة الثلاث، وعُهدة السنَّة، وتخصيصها بالرقيق. (٢)


(١) ابن العربي: كتاب القبس، ج ٢، ص ٩٤٢. قال ابن العربي تعليقًا على ترجمة مالك أول باب من "كتاب الفرائض والمواريث" كلامًا نفيسًا يستحسن سوقه هنا: "وهي كلمة بديعة تلقنها مالك رحمه الله من القرآن في قوله: {يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ (٧)}، فذكر قرابة الأب التي هي الأصل، وبدأ بها لأنها أصل الولادة، بها تجمع وعنها تتفرع. فإذا خرجت عنها وانفصلت منها، نزلت في منازل التطوير، وتغيرت بإحكام التقدير، وتفصلت بأحكام التدبير، حتى تعود خلقًا سويًّا من السُّلالة إلى استواء الخلقة. فهاتان الحالتان هما أخصُّ الأحوال بالإنسان، فوجب أن تقع البدايةُ بهما. ولذلك لم يؤثر الله تعالى شيئًا عنهما، قال الله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ}، واتفقت الأمة على أنها عامةٌ جاريةٌ على شمولها، منتظمةٌ على جملتها وتفصيلها, لا تتبين إلا في جملة مسائل". المسالك، ج ٦، ص ٥٤٤ - ٥٤٥. وقد جاء الكلام نفسه في القبس مع اختلاف يسير.
(٢) والعُهدة على هذا استثناء من الأصل الفقهي الكلي بتضمين المشتري كل عيب يحدث في المبيع بعد قبضه؛ إذ هو في ملكه وتحت يده. وقال ابن العربي: "ومن أعظم مسائل العرف والعادة مسألة العهدة، وقد انفرد بها مالك دون سائر الفقهاء". ثم قال: "وهي أن تكون السلعة بعد قبض المشتري في ضمان البائع حتى تمضي ثلاثة أيام من وقت البيع في كل آفة تطرأ على المبيع"، وعول علماؤنا على أن هاتين العهدتين (أي عهدة السنة وعهدة الثلاثة أيام) إنما يُقضى بهما لِمَنْ شرطهما أو حيث تكون العادة جاريةً بهما". حماد: معجم المصطلحات المالية والاقتصادية، ص ٣٣٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>