فلا ينبغي لمن أهله الله للقضاء بين الناس، ومنحه العلم والبصيرة، واشتدت إليه الحاجة أن يمتنع عن قبول القضاء، بل يجب عليه أن يقبله وأن يوطن نفسه على العمل بعلمه، وأن ينفذ ما أريد منه، وأن ينفع الناس بعلمه، ويسأل ربه التوفيق والإعانة فإن عجز بعد ذلك، ورأى من نفسه أنه لا يستطيع أمكنه بعد ذلك أن يعتذر وأن يستقيل.
أما من أول وهلة فلا ينبغي له ذلك، وهذا باب لا ينبغي لأهل العلم والإيمان والقدرة على نفع الناس أن يفتحوه، بل ينبغي لأهل العلم أن تكون عندهم الهمة العالية والقصد الصالح، والرغبة في نفع المسلمين، وحل المشاكل التي تعرض لهم، حتى لا يتولى ذلك الجهلة، فإنه إذا ذهب أهل العلم تولى الجهلة ولا شك. . . إما هذا، وإما هذا، فلا بد للناس من قضاة يحلون مشاكلهم، ويحكمون بينهم بالحق، فإن تولى ذلك الأخيار وإلا تولاه غيرهم.
فالواجب على أهل العلم، وعلى كل من يخشى الله أن يقدر هذا الوضع، وأن يحتسب الأجر عند الله، وأن يصبر ويتحمل ويرجو ما عند الله عز وجل من المثوبة، وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من صدور الرجال، ولكن يقبض العلم بموت العلماء حتى إذا لم يبق عالم، اتخذ الناس رءوسا جهالا، فسئلوا فأفتوا بغير