للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإذا كان الصيد والشجر محترمين فيه، فكيف بحال المسلم، فمن باب أولى أن يكون تحريم ذلك أشد وأعظم وأكبر؛ فليس لأحد أن يحدث في الحرم شيئا مما يؤذي الناس لا بقول ولا بفعل، بل يجب أن يحترمه، وأن يكون منقادا لشرع الله فيه، وأن يعظم حرمات الله أشد من أن يعظمها في غيره، وأن يكون سلما لإخوانه يحب لهم الخير، ويكره لهم الشر، ويعينهم على الخير وعلى ترك الشر، ولا يؤذي أحدا لا بكلام ولا بفعل، ثم قال جل وعلا في سورة آل عمران: {فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ} (١) فالله جعل فيه آيات بينات، وهي التي فسرها العلماء بمقام إبراهيم، أي مقامات إبراهيم؛ لأن كلمة مقام لفظ مفرد مضاف إلى معرفة فيعم جميع مقامات إبراهيم، فالحرم كله مقام إبراهيم تعبد فيه، ومن ذلك المشاعر؛ عرفات والمزدلفة ومنى، كل ذلك من مقام إبراهيم، ومن ذلك الحجر الذي كان يقوم عليه وقت البناء، والذي يصلي إليه الناس الآن كله من مقامات إبراهيم.

ففي ذلك ذكرى لأولياء الله المؤمنين، ليتأسوا بنبي الله إبراهيم، كما أمر الله نبينا بذلك في قوله تعالى: {ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا} (٢) فأمر الله نبيه محمد صلى الله عليه وسلم أن يتبع ملة إبراهيم الخليل أبي الأنبياء جميعا.

ونبي الله محمد صلى الله عليه وسلم هو أفضل الرسل جميعا، وأكملهم بلاغا ونفعا للناس، وتوجيها لهم إلى الخير، وإرشادا لهم إلى الهدى، وأسباب السعادة. فالواجب على كل مسلم من هذه الأمة أن يتأسى بنبيه صلى الله عليه وسلم في أداء الواجبات، وترك المحرمات، وكف الأذى عن الناس، وإيصال الخير إليهم.


(١) سورة آل عمران الآية ٩٧
(٢) سورة النحل الآية ١٢٣

<<  <  ج: ص:  >  >>