للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لهم عنده، فأكذبهم الله سبحانه، وأوضح باطلهم، وسماهم كذبة وكفارا ومشركين، ونزه نفسه عن شركهم فقال جل وعلا: {سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} (١) فعلم بذلك أن من اتخذ ملكا، أو نبيا أو جنيا أو شجرا أو حجرا يدعوه مع الله، ويستغيث به، ويتقرب إليه، بالنذر والذبح، رجاء شفاعته عند الله، وتقريبه لديه، أو رجاء شفاء المريض، أو حفظ المال، أو سلامة الغائب، أو ما شابه ذلك فقد وقع في هذا الشرك العظيم، والبلاء الوخيم، الذي قال الله فيه: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا} (٢) وقال تعالى: {إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ} (٣)

والشفاعة إنما تحصل يوم القيامة لأهل التوحيد والإخلاص، لا لأهل الشرك كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لما قيل له: «يا رسول الله من أسعد الناس بشفاعتك؟ قال: من قال لا إله إلا الله خالصا من قلبه (٤) » وقال صلى الله عليه وسلم: «لكل نبي دعوة مستجابة فتعجل كل نبي دعوته وإني اختبأت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة فهي نائلة إن شاء الله من مات من أمتي لا يشرك بالله شيئا (٥) » .

وكان المشركون الأولون يؤمنون بأن الله ربهم وخالقهم ورازقهم، وإنما تعلقوا على الأنبياء والأولياء والملائكة، والأشجار والأحجار وأشباه ذلك، يرجون شفاعتهم عند الله، وتقريبهم لديه كما سبق في الآيات، فلم يعذرهم الله بذلك، ولم يعذرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل أنكر الله عليهم في كتابه العظيم، وسماهم كفارا ومشركين، وأكذبهم في زعمهم أن هذه الآلهة تشفع لهم، وتقربهم إلى الله زلفى وقاتلهم الرسول صلى الله عليه وسلم على هذا الشرك حتى يخلصوا العبادة لله وحده، عملا بقوله سبحانه: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ} (٦) وقال الرسول صلى الله عليه وسلم «أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا


(١) سورة يونس الآية ١٨
(٢) سورة النساء الآية ٤٨
(٣) سورة المائدة الآية ٧٢
(٤) صحيح البخاري العلم (٩٩) ، مسند أحمد بن حنبل (٢/٣٧٣) .
(٥) صحيح البخاري الدعوات (٦٣٠٤) ، صحيح مسلم الإيمان (١٩٩) ، سنن الترمذي الدعوات (٣٦٠٢) ، سنن ابن ماجه الزهد (٤٣٠٧) ، مسند أحمد بن حنبل (٢/٤٢٦) ، موطأ مالك كتاب النداء للصلاة (٤٩٢) ، سنن الدارمي الرقاق (٢٨٠٥) .
(٦) سورة الأنفال الآية ٣٩

<<  <  ج: ص:  >  >>