للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إقامتهم بين المشركين اجترءوا عليهم وساقوهم إلى ما ساقوهم إليه من المشاركة في قتال المسلمين.

وقال بعض السلف: إنهم كفروا بذلك لأنهم ظاهروا المشركين وساعدوهم فصاروا بذلك مثلهم؛ لأن من ظاهر المشركين وساعدهم على المسلمين صار مرتدا عن دينه لقوله تعالى {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} (١) فهم بين أمرين: من كان مواليا لهم مساعدا لهم موافقا لهم على قتال أولياء الله كفر، ومن كان مكرها لم يرض بذلك وإنما أكره عليه فقد أساء بإقامته بينهم وعدم بداره بالهجرة فكانت إقامته وسيلة وذريعة إلى أن خرج مقاتلا ومساعدا لأعداء الله، وبهذا يتبين خطر الإقامة بين المشركين والمخالطة لأعداء الله، فهو إن ساعدهم وظاهرهم على المسلمين ارتد عن دينه وكفر بذلك، وإن سلم من ذلك صارت إقامته وسيلة إلى أن يوافقهم في بعض الباطل أو على ترك بعض الحق، وربما خرج عن دينه بتشكيكهم له ودعوتهم له إلى الباطل وأنواع الكفر، فوجب على المسلم أن يحذر المخالطة لأعداء الله ويتميز عنهم ويبتعد عن مكائدهم حذرا من شرهم، قال الحافظ ابن كثير رحمه الله في تفسير هذه الآية الكريمة: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ} (٢) الآية قال ما نصه: " كل من أقام بين ظهراني المشركين وهو قادر على الهجرة وليس متمكنا من إقامة الدين فهو ظالم لنفسه مرتكب حراما بالإجماع " انتهى كلام الحافظ رحمه الله.

لأن المخالطة لهم والإقامة بينهم من المحرمات المعلومة من الدين بالضرورة في حق من لا يظهر دينه، ولهذا قال الحافظ رحمه الله: ارتكب محرما بالإجماع؛ لأن بقاءه بينهم وسيلة إلى ما لا تحمد عقباه من كفره بالله وموافقته


(١) سورة المائدة الآية ٥١
(٢) سورة النساء الآية ٩٧

<<  <  ج: ص:  >  >>