للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العظيم أينما كانوا إذا استطاعوا السبيل إلى ذلك. وأما بعد ذلك فهو نافلة وليس بفريضة، ولكن فيه فضل عظيم، كما في الحديث الصحيح: «قيل: يا رسول الله أي العمل أفضل؟ قال: إيمان بالله ورسوله، قيل: ثم أي؟ قال: الجهاد في سبيل الله، قيل: ثم أي؟ قال: حج مبرور (١) » متفق عليه.

وقد حج عليه الصلاة والسلام حجة الوداع وشرع للناس المنسك بقوله وفعله وخطب بهم في حجة الوداع في يوم عرفة خطبة عظيمة ذكرهم فيها بحقه سبحانه وتوحيده، وأخبرهم فيها أن أمور الجاهلية موضوعة وأن الربا موضوع وأن دماء الجاهلية موضوعة، وأوصاهم فيها بكتاب الله عز وجل وسنة رسوله والاعتصام بهما وأخبر أنهم لن يضلوا ما اعتصموا بهما، وبين حق الرجل على زوجته وحقها عليه وبين أمورا كثيرة عليه الصلاة والسلام. ثم قال: «وأنتم تسألون عني فما أنت قائلون؟ قالوا: نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت، فجعل يرفع أصبعه إلى السماء ثم ينكبها إلى الأرض ويقول: اللهم اشهد اللهم اشهد (٢) » عليه من ربه أفضل الصلاة والسلام.

ولا شك أنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة عليه الصلاة والسلام على خير الوجوه وأكملها، ونشهد له بذلك كما شهد له صحابته رضي الله عنهم وأرضاهم. وقد بين عليه الصلاة والسلام مناسك الحج وأعماله بأقواله وأفعاله. وكان خروجه من المدينة في آخر ذي القعدة من عام عشر، محرما بالحج والعمرة قارنا من ذي الحليفة، وساق الهدي عليه الصلاة والسلام، وأتى مكة في صبيحة اليوم الرابع من ذي الحجة ولم يزل يلبي من الميقات من حين أحرم من ذي الحليفة بتلبيته المشهورة: «لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك (٣) » بعدما لبى بالحج والعمرة عليه الصلاة والسلام.

وكان قد خير أصحابه في ذي الحليفة بين الأنساك الثلاثة، فمنهم


(١) صحيح البخاري الإيمان (٢٦) ، صحيح مسلم الإيمان (٨٣) ، سنن الترمذي فضائل الجهاد (١٦٥٨) ، سنن النسائي مناسك الحج (٢٦٢٤) ، مسند أحمد بن حنبل (٢/٢٨٧) ، سنن الدارمي الجهاد (٢٣٩٣) .
(٢) صحيح مسلم كتاب الحج (١٢١٨) ، سنن أبو داود كتاب المناسك (١٩٠٥) ، سنن الدارمي كتاب المناسك (١٨٥٠) .
(٣) صحيح البخاري الحج (١٥٤٩) ، صحيح مسلم الحج (١١٨٤) ، مسند أحمد بن حنبل (٢/١٢٠) .

<<  <  ج: ص:  >  >>