للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العالم هدي لغيره وصلاحه صلاح لغيره، إذ العلماء هم أهل البصيرة والحكمة والخشية من الله تعالى، والناس على آثارهم يقتدون، وبأقوالهم وأفعالهم يهتدون، وقد وفقكم الله تعالى لإقامة فريضة الجهاد في سبيل الله ضد أعداء الله، وكنتم بذلك أهلا للعلم الذي أعطاكم الله، وبرره بالميثاق الذي أخذه الله والوقوف معكم، ونحمد الله الذي أكرمنا بأن أفتينا الناس بوجوب الجهاد معكم ومناصرتكم ضد أعداء الدين والقيام بحق الأخوة الإسلامية، فهب المسلمون ولله الحمد من كل مكان يرجون الأجر والثواب ويطلبون الجنة وينصرون إخوانهم المستضعفين، وبذلك أخذ الجهاد صورته الإسلامية العالمية، وتأكدت في نفوس المسلمين جميعا حقيقة الرابطة الدينية والأخوة الإيمانية فأغاظ ذلك الكافرين على اختلاف مللهم، وأحبط خططهم في تفريق وحدة المسلمين وشتات كلمتهم، وكتب الله هزيمة الكافرين ونصر المجاهدين، فلجأ أعداء الدين إلى وسيلة أخرى لإيقاع الفرقة بين المسلمين عن طريق الخلافات المذهبية الموجودة بين الأمة منذ قديم الزمان، فأشعلوا الفتنة وأثاروا العامة، وأرادوا بذلك إيقاع الفساد بين المجاهدين الأفغان وبين إخوانهم المسلمين، وليس لهذه الفتنة من يدرؤها ويحبطها بعد الله إلا أنتم أيها الإخوة العلماء.

وأنتم تعلمون حفظكم الله أن الخلاف المذهبي في أمور الفروع واقع منذ قديم الزمان، ولم يؤد ذلك إلى البغضاء والتشاحن والشقاق؛ لأن الأمة الإسلامية متفقة في الأصول والقواعد، وقد وجد الخلاف الفقهي بين الأئمة الأربعة ابتداء بالإمام أبي حنيفة رحمه الله، والإمام مالك رحمه الله، ثم الإمام الشافعي رحمه الله، ثم الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله، ولم يحدث بينهم - رغم ذلك - شيء من النفرة والفتنة، بل كانوا رغم اختلافهم في النظر والاجتهاد إخوة متحابين يثني كل واحد منهم على الآخر ويقدمه على نفسه وهذا هو الذي يجب أن يسود بين العلماء وإن اختلفت آراؤهم في مسائل الفروع.

<<  <  ج: ص:  >  >>