للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن عصى دخل النار، والنبي صلى الله عليه وسلم قال «إن أبي وأباك في النار لما سأله رجل عن أبيه قال: إن أباك في النار فلما رأى ما في وجهه من التغير قال: إن أبي وأباك في النار (١) » خرجه مسلم في صحيحه.

وإنما قال له النبي صلى الله عليه وسلم ذلك ليتسلى به ويعلم أن الحكم ليس خاصا بأبيه، ولعل هذين بلغتهما الحجة؛ أعني أبا الرجل وأبا النبي صلى الله عليه وسلم، فلهذا قال النبي عليه السلام: «إن أبي وأباك في النار (٢) » قالهما عن علم عليه الصلاة والسلام؛ لأنه لا ينطق عن الهوى، قال الله سبحانه وتعالى: {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى} (٣) {مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى} (٤) {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى} (٥) {إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} (٦) فلعل عبد الله بن عبد المطلب والد النبي صلى الله عليه وسلم قد قامت عليه الحجة لما قال في حقه النبي ما قال، عليه الصلاة والسلام، وكان علم ذلك مما عرفته قريش من دين إبراهيم عليه الصلاة والسلام فإنها كانت على ملة إبراهيم حتى أحدث ما أحدث عمرو بن لحي الخزاعي حين تولى مكة وسرى في الناس ما أحدثه عمرو المذكور من بث الأصنام والدعوة إلى عبادتها من دون الله، فلعل عبد الله قد بلغه ما يدل على أن هذا باطل وهو ما سارت عليه قريش من عبادة الأصنام فتابعهم في باطله، فلهذا قامت عليه الحجة، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «رأيت عمرو بن لحي يجر قصبه في النار لأنه أول من سيب السوائب وغير دين إبراهيم (٧) » ومن هذا ما جاء في الحديث أنه صلى الله عليه وسلم «استأذن أن يستغفر لأمه فلم يؤذن له فاستأذن أن يزورها فأذن له (٨) » . أخرجه مسلم في صحيحه.

فلعله بلغها ما تقوم به الحجة عليها من بطلان دين قريش كما بلغ زوجها عبد الله، فلهذا نهي صلى الله عليه وسلم عن الاستغفار لها، ويمكن أن يقال: إن أهل الجاهلية يعاملون معاملة الكفرة في الدنيا فلا يدعى لهم ولا يستغفر لهم؛ لأنهم يعملون أعمال الكفرة فيعاملون معاملتهم وأمرهم


(١) صحيح مسلم الإيمان (٢٠٣) ، سنن أبو داود السنة (٤٧١٨) ، مسند أحمد بن حنبل (٣/١١٩) .
(٢) صحيح مسلم الإيمان (٢٠٣) ، سنن أبو داود السنة (٤٧١٨) ، مسند أحمد بن حنبل (٣/١١٩) .
(٣) سورة النجم الآية ١
(٤) سورة النجم الآية ٢
(٥) سورة النجم الآية ٣
(٦) سورة النجم الآية ٤
(٧) صحيح البخاري المناقب (٣٥٢١) ، صحيح مسلم الجنة وصفة نعيمها وأهلها (٢٨٥٦) .
(٨) صحيح مسلم الجنائز (٩٧٦) ، سنن النسائي الجنائز (٢٠٣٤) ، سنن أبو داود الجنائز (٣٢٣٤) ، سنن ابن ماجه ما جاء في الجنائز (١٥٧٢) ، مسند أحمد بن حنبل (٢/٤٤١) .

<<  <  ج: ص:  >  >>