للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما المسلم الموحد العاصي فهو على خطر من دخول النار بمعاصيه ومن تعذيبه في القبر بمعاصيه كما تقدم، ولكن مصيره إلى الجنة بعد ذلك وإن دخل النار وإن جرى عليه بعض العذاب.

فأهل السنة والجماعة مجمعون على أن العصاة لا يخلدون في النار خلافا للخوارج والمعتزلة ومن سار على نهجهم، فأهل السنة والجماعة مجمعون على أن العاصي الموحد المؤمن لا يخلد في النار بل هو تحت مشيئة الله، كما قال الله سبحانه: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} (١) فإن شاء الله عفى عنه ودخل مع إخوانه في الجنة من أول وهلة، وإن لم يعف عنه صار إلى النار وعذب فيها على قدر معاصيه، ثم بعد التعذيب والتطهير يصير إلى الجنة، كما تواترت بذلك الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

هكذا قال أهل السنة والجماعة وقد يعذب العاصي في قبره وقد يعذب في النار؛ لأنه مات على الزنا أو على شرب الخمر أو على عقوق الوالدين أو على الربا أو على غير ذلك من الكبائر إن لم يعف الله عنه، وقد أخبر الله سبحانه في الآية السابقة أن الشرك لا يغفر لمن مات عليه، كما أخبر الله سبحانه في آية أخرى أن من مات عليه فله النار - والعياذ بالله - مخلدا فيها لا يغفر له، كما قال تعالى: {وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (٢) وقال سبحانه: {مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ} (٣)

وأما العاصي فهو تحت مشيئة الله، إن شاء ربنا غفر له وعفا عنه، فضلا منه وجودا وكرما، بسبب أعماله الصالحة، أو بشفاعة الشفعاء، أو بمجرد فضله وإحسانه بدون شفاعة أحد، أو بأسباب أخرى من أعمال صالحة تكون سببا لعفو الله، إلى غير ذلك من الأسباب، هذا إذا لم يتب. أما من تاب فإن الله جل وعلا يلحقه بإخوانه المؤمنين من أول وهلة فضلا منه وإحسانا. .

ومن تمام حق الله عليك يا عبد الله في هذه الدار


(١) سورة النساء الآية ٤٨
(٢) سورة الأنعام الآية ٨٨
(٣) سورة التوبة الآية ١٧

<<  <  ج: ص:  >  >>