للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهنا أمر عظيم ينبغي التنبيه له، وهو أن يقال: ما السر في تشبيه صحيفة المساء القاهرية للرسول صلى الله عليه وسلم بالديك دون بقية الحيوانات، إنه ظاهر لمن تأمله، إلا أنه الجحود لنبوته والإنكار لرسالته ورميه بأنه ثائر شهواني ليس له هم إلا إشباع نهمته من النساء، وهذا إمعان في الكفر، وإيغال في الاستهزاء والاحتقار للجناب العظيم والمقام الرفيع، لعن الله من تنقصه أو رماه بما هو براء منه، وقاتل الله صحيفة المساء القاهرية والقائمين عليها الراضين بهذا الاستهزاء، فما أعظم ما اجترؤا عليه من الباطل، وما أقبح ما وقعوا فيه من الإسفاف والاستهزاء، ولقد صان الله رسوله صلى الله عليه وسلم وحماه مما قاله المبطلون ورماه به المفترون، فقد كان أعف الناس وأنصحهم لله ولعباده وأرفعهم قدرا وأشرفهم نفسا وأشدهم صبرا وأقومهم بحق الله وتبليغ رسالته، وأخشاهم لله وأتقاهم له، وأزهدهم في كل ما يلوث مقامه العظيم، أو يعوقه عن مهمته في الجهاد والنصح والتبليغ، وإنما تزوج النساء كسنة من قبله من المرسلين، كما قال الله سبحانه: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً} (١)

وفي تزوجه صلى الله عليه وسلم بتسع من النساء حكم كثيرة وأسرار بديعة ومصالح عظيمة، منها: إعفافهن والإحسان إليهن، ومنها: أن يتعلمن منه صلى الله عليه وسلم أصول الشريعة وأحكامها ويعلمنها الناس بعده كما قد وقع، فقد كان بيت كل واحدة منهن مدرسة للمسلمين والمسلمات، يردونها للتعلم ويشربون من معينها الصافي عللا بعد نهل، ويسألون أمهات المؤمنين عن حياته صلى الله عليه وسلم وشمائله وأخلاقه وأعماله داخل بيوته وخارجها، ومن ذلك ما في تعددهن من مصلحة التأليف والتعاون على البر والتقوى، وتبليغ القرآن والسنة بواسطة أصهاره ومن يتصل بهم لأن أزواجه كن من قبائل شتى، وذلك أبلغ في مقام الدعوة والتأليف وأنفع للأمة وأكمل من جهة التبليغ والتعليم، ومن ذلك ما في تعددهن من راحته صلى الله عليه وسلم وأنسه، فإن الله سبحانه قد حبب إليه النساء والطيب، وجعل قرة عينه في الصلاة، وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «الدنيا متاع وخير متاعها الزوجة الصالحة (٢) » وقد جبل الله الرجال على حب النساء والميل إليهن، وجعلهن سكنا للرجال، كما قال عز وجل:


(١) سورة الرعد الآية ٣٨
(٢) صحيح مسلم الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار (٢٧٤٢) ، سنن الترمذي الفتن (٢١٩١) ، سنن ابن ماجه الفتن (٤٠٠٠) ، مسند أحمد بن حنبل (٣/٦١) .

<<  <  ج: ص:  >  >>