لاستلزم التسلسل، وهو محال، وقد أثبت العقل أن المحدثات مفتقرة إلى محدث، فلو كان هو مفتقرا إلى محدث لكان من المحدثات) انتهى.
والذي نحا إليه من التفرقة بين وسوسة الشيطان ومخاطبة البشر فيه نظر؛ لأنه ثبت في مسلم من طريق هشام بن عروة عن أبيه في هذا الحديث: «لا يزال الناس يتساءلون حتى يقال هذا الله خلق الخلق فمن خلق الله؟ فمن وجد من ذلك شيئا فليقل آمنت بالله (١) » . فسوى في الكف عن الخوض في ذلك بين كل سائل عن ذلك من بشر وغيره.
وفي رواية لمسلم عن أبي هريرة قال: سألني عنها اثنان، وكان السؤال عن ذلك لما كان واهيا لم يستحق جوابا. أو الكف عن ذلك نظير الأمر بالكف عن الخوض في الصفات والذات، قال المازري:(الخواطر على قسمين: فالتي لا تستقر ولا يجلبها شبهة هي التي تدفع بالإعراض عنها، وعلى هذا ينزل الحديث، وعلى مثلها يطلق اسم وسوسة، وأما الخواطر المستقرة الناشئة عن الشبهة فهي التي لا تندفع إلا بالنظر والاستدلال) .
وقال الطيبي:(إنما أمر بالاستعاذة والاشتغال بأمر آخر ولم يأمر بالتأمل والاحتجاج؛ لأن العلم باستغناء الله جل وعلا عن الموجد أمر ضروري لا يقبل المناظرة؛ ولأن الاسترسال في الفكر في ذلك لا يزيد المرء إلا حيرة، ومن هذا حاله فلا علاج له إلا الملجأ إلى الله تعالى، والاعتصام به، وفي الحديث إشارة إلى ذم كثرة السؤال عما لا يعني المرء وعما هو مستغن عنه، وفيه علم من أعلام النبوة لإخباره بوقوع ما سيقع فوقع) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في كتابه (موافقة صحيح المنقول لصريح المعقول) : ولفظ (التسلسل) يراد به التسلسل في المؤثرات، وهو أن يكون للحادث فاعل وللفاعل فاعل، وهذا باطل بصريح العقل واتفاق العقلاء، وهذا هو التسلسل الذي أمر النبي بأن يستعاذ بالله منه، وأمر بالانتهاء عنه، وأن يقول القائل:(آمنت بالله) ، كما في الصحيحين عن أبي
(١) صحيح البخاري بدء الخلق (٣٢٧٦) ، صحيح مسلم الإيمان (١٣٤) ، سنن أبو داود السنة (٤٧٢١) ، مسند أحمد بن حنبل (٢/٣٣١) .