إليه - عليه الصلاة والسلام - فلما جاءوا بهم إليه أمر أن تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف، وأن تسمر أعينهم، ويطرحوا في الحرة يستسقون فلا يسقون، حتى ماتوا (١) » .
هذه العقوبة العظيمة الشديدة، إنما كانت غضبا لله عز وجل، لأن هؤلاء كفروا بعد إسلامهم، وقتلوا الراعي، وسمروا عين الراعي، وأخذوا الإبل، فجمعوا بين أنواع المنكرات: السرقة والنهب والقتل، وسمر عين الراعي، والردة عن الإسلام، بعدما عافاهم الله مما أصابهم، فلهذا عاقبهم النبي - صلى الله عليه وسلم - عقوبة عظيمة شديدة، لتكون رادعا لغيرهم من مثل هذا العدوان، فدل ذلك على أنه يجب على ولاة الأمور أن يعنوا بهذه الأمور، وأن يجتهدوا في عقاب المجرمين، والأخذ على أيدي السفهاء.
كل ذلك حفظا للأمن وراحة للمسلمين، مع ما في ذلك من الحياة الكريمة والسلامة من شر المجرمين والمفسدين في الأرض. ومن تتبع سيرته - صلى الله عليه وسلم -، وسيرة أصحابه - رضي الله عنهم أجمعين -، من الخلفاء الراشدين وغيرهم عرف ذلك.
فكان الخلفاء الراشدون - رضي الله عنهم وأرضاهم - في غاية من العناية بأمر المسلمين، والحرص على سلامتهم وأمنهم، وحياتهم الكريمة، فلما ارتد من ارتد من العرب قام الصديق في أمرهم، وأمر بقتالهم وتوقف عمر - رضي الله عنه - في هذا بعض الشيء، ثم شرح الله صدره لما عرف الحق، ووافق هو والصحابة على ذلك، فقام الصديق في هذا الأمر العظيم، قياما كبيرا، وجهز الجيوش لقتال المرتدين والقضاء عليهم، ودعوتهم إلى الرجوع إلى دين الله
(١) صحيح البخاري الجهاد والسير (٣٠١٨) ، صحيح مسلم القسامة والمحاربين والقصاص والديات (١٦٧١) ، سنن الترمذي الأطعمة (١٨٤٥) ، سنن النسائي تحريم الدم (٤٠٢٥) ، سنن أبو داود الحدود (٤٣٦٤) ، سنن ابن ماجه الحدود (٢٥٧٨) ، مسند أحمد بن حنبل (٣/١٨٦) .