للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الدين عبادة كما سمي إسلاما، سمي عبادة كما في قوله سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ} (١) وفي قوله عز وجل: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} (٢) فسمي عبادة. لأن العباد يؤدون أوامر الله ويتركون نواهيه عن ذل وخضوع وانكسار، وعن اعتراف بالعبودية، وأنهم مماليك لله وأنه سيدهم، وأنه القاهر فوقهم، وانه العالم بأحوالهم، وأنه المدبر لشؤنهم، فهم عبيد مأمورن ذليلون منقادون لأمره سبحانه وتعالى، فلهذا سمى الله دينه عبادة. لأن العبادة عند العرب هي: التذلل والخضوع والانكسار، يقولون طريق معبد، يعني مذلل قد وطأته الأقدام، ويقولون أيضا: بعير معبد، يعني قد شد ورحل حتى ذل للركوب والشد عليه، فسميت طاعاتنا لله عباده؛ لأننا نؤديها بالذل والخضوع لله جل وعلا، وسمي العبد عبدا، لأنه ذليل بين يدي الله مقهور مربوب للذي خلقه وأوجده، وهو المتصرف فيه سبحانه وتعالى. وسمي هذا الدين أيضا إيمانا؛ لأن العباد يؤدونه عن إيمان بالله وتصديق به ورسله، فلهذا سمي دين الله إيمانا لهذا المعنى كما في الحديث الصحيح من قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «الإيمان بضع وسبعون شعبة فأفضلها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان (٣) » أخرجه الشيخان واللفظ لمسلم، فبين - عليه الصلاة والسلام - أن الدين كله إيمان وأن أعلاه قول لا إله إلا الله، فعلمنا بذلك أن الدين كله عند الله إيمان، ولهذا قال سبحانه: {وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} (٤)


(١) سورة البقرة الآية ٢١
(٢) سورة الذاريات الآية ٥٦
(٣) صحيح مسلم الإيمان (٣٥) ، سنن الترمذي الإيمان (٢٦١٤) ، سنن النسائي الإيمان وشرائعه (٥٠٠٥) ، سنن أبو داود السنة (٤٦٧٦) ، سنن ابن ماجه المقدمة (٥٧) ، مسند أحمد بن حنبل (٢/٤١٤) .
(٤) سورة التوبة الآية ٧٢

<<  <  ج: ص:  >  >>