للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(الرسائل الأولى) .

ولا شك أن أصحاب هذا القسم على خطر عظيم ويخشى عليهم من الوقوع في الردة، أما صحة الصلاة خلفهم وأمثالهم من الفساق ففيها خلاف مشهور، والأظهر من الأدلة الشرعية صحتها خلف جميع الفساق الذين لم يصل فسقهم إلى حد الكفر الأكبر، وهو قول جم غفير من أهل العلم واختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وله في هذا كلام نفيس ننقله بنصه هنا لعظم فائدته، قال في ج ٢٣ ص ٣٥١ من مجموع الفتاوى: (يجوز للرجل أن يصلي الصلوات الخمس والجمعة وغير ذلك خلف من لم يعلم منه بدعة ولا فسقا باتفاق الأئمة الأربعة وغيرهم من أئمة المسلمين، وليس من شرط الائتمام أن يعلم المأموم اعتقاد إمامه ولا أن يمتحنه فيقول ماذا تعتقد؟ بل يصلي خلف مستور الحال، ولو صلى خلف من يعلم أنه فاسق أو مبتدع ففي صحة صلاته قولان مشهوران في مذهب أحمد ومالك، ومذهب الشافعي وأبي حنيفة الصحة.

وقول القائل لا أسلم مالي إلا لمن أعرف، ومراده لا أصلي خلف من لا أعرفه كما لا أسلم مالي إلا لمن أعرفه. كلام جاهل لم يقله أحد من أئمة الإسلام، فإن المال إذا أودعه الرجل المجهول فقد يخونه فيه وقد يضيعه، وأما الإمام فلو أخطأ أو نسي لم يؤاخذ بذلك المأموم كما في البخاري وغيره أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «أئمتكم يصلون لكم ولهم فإن أصابوا فلكم ولهم وإن أخطأوا فلكم وعليهم (١) » فجعل خطأ الإمام على نفسه دونهم، وقد صلى عمر - وغيره من الصحابة رضي الله عنهم - وهو جنب ناسيا للجنابة فأعاد ولم يأمر المأمومين بالإعادة وهذا مذهب جمهور العلماء كمالك والشافعي وأحمد في المشهور عنه.


(١) صحيح البخاري الأذان (٦٩٤) ، مسند أحمد بن حنبل (٢/٣٥٥) .

<<  <  ج: ص:  >  >>