ورد رسول لصاحب الروم في أيام المقتدر بالله، ففرشت الدار بالفروش الجميلة، وزينت بالآلات الجليلة، ورتب الحجاب وخلفاؤهم والحواشي على طبقاتهم، على أبوابها ودهاليزها وممراتها ومخترقاتها وصحونها ومجالسها، ووقف الجند صفين بالثياب الحسنة، وتحتهم الدواب بمراكب الذهب والفضة، وبين أيديهم الجنائب على مثل هذه الصورة. وقد أظهروا العدد الكثيرة والأسلحة المختلفة، فكانوا من أعلى باب الشماسية إلى قريب من دار الخلافة، وبعدهم الغلمان الحجرية والخدم الخواص الدارية والبرانية إلى حضرة الخليفة، بالبزة الرائقة والسيوف والمناطق المحلاة. وأسواق الجانب الشرقي وشوارعه وسطوحه ومسالكه مملوءة بالعامة النظارة، وقد اكتري كل دكان وغرفة مشرفة بدراهم كثيرة، وفي دجلة الشذاءات والطيارات والزبازب والدلالات والسميريات، بأفضل زينة وأحسن ترتيب وتعبئة. وسار الرسول ومن معه من المواكب إلى أن وصلوا إلى الدار، ودخل الرسول فمر به على دار نصر القشوري الحاجب. ورأى ضففا كثيرا ومنظرا عظيما، فظنه الخليفة، وتداخلته له هيبة وروعة، حتى قيل له: إنه الحاجب، وحمل من بعد ذلك إلى الدار التي كانت برسم الوزير، وفيها مجلس أبي الحسن علي بن محمد بن الفرات يومئذ، فرأى أكثر مما رآه لنصر الحاجب ولم يشك في أنه الخليفة، حتى قيل له: هذا الوزير؛ وأجلس بين دجلة والبساتين في مجلس قد علقت ستوره واختيرت فروشه، ونصبت فيه الدسوت، وأحاط به