الدنيا ويفحش في شتمها، فقال له علي: اجلس. فجلس، فقال له: مالي أسمعك تشتم الدنيا وتفحش في شتمها؟ أوليس هو الليل والنهار والشمس والقمر، سامعين مطيعين! فأنشأ علي يقول: إن الدنيا لمنزل صدق لمن صدقها، ودار لمن فهم عنها، وعاقبة لمن تزود منها، منزل أحباء الله، ومهبط وحيه، ومصلى ملائكته، ومتجر أوليائه، اكتسبوا الجنة وربحوا فيها المغفرة، فذمها أقوام غداة الندامة، وحمدها آخرون، ذكرتهم فذكروا، وحدثتهم فصدقوا، فمن ذا يذمها وقد آذنت ببينها ونادت بانقطاعها؟! راحت بفجيعة، وأسكرت بعاقبة تخويف وترهيب، يا أيها الذام الدنيا، المقبل بتغريرها، متى استدنت إليك؟ أم متى غرتك؟ أبمضاجع آبائك من الثرى؟ أو بمنازل أمهاتك من البلى؟ أم ببواكر الصريخ من إخوانك؟ أم بطوارق النعي من أحبابك؟ هل رأيت إلا ناعيا منعيا! أو رأيت إلا وارثا موروثا! كم عللت بيديك؟ أم كم مرضت بكفيك؟ تبتغي له الشفاء، وتستوصف الأطباء، لم تنفعه بشفاعتك، ولم تنجح له بطلبتك، بل مثلت لك به الدنيا نفسك، وبمضجعه مضجعك غداة لا يغني عنك بكاؤك، ولا ينفعك أحباؤك، فهيهات. أي مواعظ الدنيا لو نصت لها! وأي دار لو فهمت عنها! وأي عاقبة لمن تزود منها! انصرف إذا شئت.
٣٧٤٣ - الحسن بن أفقي، أبو علي الصيرفي الفقيه، من أهل سر من رأى.