سمعت أبا الفرج محمد بن عمران الخلال يقول: كان ورد القاضي أبي بكر محمد بن الطيب في كل ليلة عشرين ترويحة، ما تركها في حضر ولا سفر.
قال: وكان كل ليلة إذا صلى العشاء وقضى ورده، وضع الدواة بين يديه، وكتب خمسا وثلاثين ورقة تصنيفا من حفظه، وكان يذكر أن كتبه بالمداد أسهل عليه من الكتب بالحبر، فإذا صلى الفجر دفع إلى بعض أصحابه ما صنفه في ليلته، وأمره بقراءته عليه، وأملى عليه الزيادات فيه.
قال أبو الفرج: وسمعت أبا بكر الخوارزمي يقول: كل مصنف ببغداد إنما ينقل من كتب الناس إلى تصانيفه سوى القاضي أبي بكر، فإن صدره يحوي علمه وعلم الناس.
حدثنا علي بن محمد بن الحسن الحربي المالكي قال: كان القاضي أبو بكر الأشعري يهم بأن يختصر ما يصنفه فلا يقدر على ذلك لسعة علمه وكثرة حفظه، قال: وما صنف أحد خلافا إلا احتاج أن يطالع كتب المخالفين غير القاضي أبي بكر، فإن جميع ما كان يذكر خلاف الناس فيه صنفه من حفظه.
حدثنا القاضي أبو حامد أحمد بن محمد بن أبي عمرو الأستوائي قال: كان أبو محمد البافي يقول: لو أوصى رجل بثلث ماله أن يدفع إلى أفصح الناس لوجب أن يدفع لأبي بكر الأشعري.