الكتاب قد أفضى أمره إلى أن تقطع سراويله فما يمكنه أن يشتري بدله، وهو كالميت جوعا وأنت لا تنظر في أمره، أحب أن لا تغفل أمره أكثر من هذا. قال: فانتبهت مذعورا واعتقدت الإحسان إلى الشيخ ونمت وأصبحت وقد أنسيت أمر الشيخ، فركبت إلى دار خمارويه فأنا والله أسير إذ تراءى لي الرجل على دويبة له ضعيف ثم أومأ إلي الرجل فانكشف فخذه فإذا هو لابس خفا بلا سراويل، فحين وقعت عيني على ذلك ذكرت المنام وقامت قيامتي، فوقفت في موضعي واستدعيته وقلت: يا هذا، ما حل لك أن تركت إذكاري بأمرك؟ أما كان في الدنيا من يوصل لك رقعة أو يخاطبني فيك، الآن قد قلدتك الناحية الفلانية وأجريت لك رزقا في كل شهر وهو مائتا دينار، وأطلقت لك من خزانتي ألف دينار صلة ومعونة على الخروج إليها، وأمرت لك من الثياب والحملان بكذا وكذا، فاقبض ذلك واخرج، وإن حسن أثرك في تصرفك زدتك وفعلت بك وصنعت. قال: وضممت إليه غلاما يتنجز له ذلك كله، ثم سرت فما انقضى اليوم حتى فعل به جميع ما أمرت به.
أخبرنا الحسين بن محمد بن الحسن المؤدب، قال: أخبرنا إبراهيم بن عبد الله المالكي، قال: حدثنا أبو بكر محمد بن علي بن سيف العنزي، قال: سمعت أبا عبد الله الحسين بن أحمد المنجم النديم، قال: سمعت محمد بن علي المادرائي، قال: كنت أجتاز بتربة أحمد بن طولون فأرى شيخا عند قبره يقرأ ملازما للقبر، ثم إني لم أره مدة، ثم رأيته بعد ذلك، فقلت له: ألست الذي كنت أراك عند قبر أحمد بن طولون وأنت تقرأ عليه؟ فقال: بلى، كان قد ولينا رياسة في هذا البلد، وكان له علينا بعض العدل إن لم يكن الكل، فأحببت أن أقرأ عنده وأصله بالقرآن. قلت له: لم انقطعت عنه؟ فقال لي: