يزيد قال: قال لي المازني: يا أبا العباس، بلغني أنك تنصرف من مجلسنا فتصير إلى المخيس، وإلى موضع المجانين والمعالجين، فما معناك في ذلك؟ قال: فقلت: إن فيهم طرائف من الكلام وعجائب من الأقسام. فقال: خبرني بأعجب ما رأيته منهم. فقلت: دخلت يوما إلى مستقرهم فرأيت مراتبهم على مقدار بليتهم، وإذا قوم قيام قد شدت أيديهم إلى الحيطان بالسلاسل، ونقبت من البيوت التي هم بها إلى غيرها مما يجاورهما، لأن علاج أمثالهم أن يقوموا الليل والنهار لا يقعدون ولا يضطجعون، ومنهم من يجلب على رأسه وتدهن أوراده، ومنهم من ينهل ويعل بالدواء حسبما يحتاجون إليه، فدخلت مع ابن أبي خميصة وكان المتقلد للنفقة عليهم ولتفقد أحوالهم، فنظروا إليه وأنا معه، فامسكوا عما كانوا عليه، فمررت على شيخ منهم تلوح صلعته وتبرق للدهن جبهته، وهو جالس على حصير نظيف ووجهه إلى القبلة كأنه يريد الصلاة، فجاوزته إلى غيره فناداني: سبحان الله! أين السلام، من المجنون؟ ترى أنا أو أنت؟ فاستحييت منه وقلت: السلام عليكم. فقال: لو كنت ابتدأت لأوجبت علينا حسن الرد عليك، على أنا نصرف سوء أدبك إلى أحسن جهاته من العذر، لأنه كان يقال: إن للداخل على القوم دهشة، اجلس أعزك الله عندنا، وأومأ إلى موضع من حصير ينفضه كأنه يوسع لي، فعزمت على الدنو منه، فناداني ابن أبي خميصة: إياك إياك، فأحجمت عن ذلك ووقفت ناحية استجلب مخاطبته وأرصد الفائدة منه. ثم قال لي وقد رأى معي محبرة: يا هذا، أرى آلة رجلين، أرجو أن لا تكون أحدهما، أتجالس أصحاب الحديث الأغثاث، أم الأدباء أصحاب النحو والشعر؟ قلت: