ابن يوسف في الحكام لا نظير له عقلا وحلما وذكاء وتمكنا واستيفاء للمعاني الكثيرة باللفظ اليسير مع معرفته بأقدار الناس ومواضعهم وحسن التأني في الأحكام والحفظ لما يجري على يده.
أخبرنا علي بن المحسن، قال: أخبرنا طلحة بن محمد بن جعفر الشاهد، قال: أبو عمر محمد بن يوسف من تصفح أخبار الناس لم يخف عليه موضعه وإذا بالغنا في وصفه كنا إلى التقصير فيما نذكره من ذلك أقرب، ومن سعادة جده أن المثل ضرب بعقله وحلمه وانتشر على لسان الخطير والحقير ذكر فضله، حتى إن الإنسان كان إذا بالغ في وصف رجل قال: كأنه أبو عمر القاضي وإذا امتلأ الإنسان غيظا قال: لو أني أبو عمر القاضي ما صبرت، سوى ما انضاف إلى ذلك من الجلالة والرياسة والصبر على المكاره واحتمال كل جريرة إن لحقته من عدوه، وغلط إن جرى من صديقه، وتعطفه بالإحسان إلى الكبير والصغير، واصطناع المعروف عند الداني والقاصي، ومداراته للنظير والتابع، ولم يزل على طول الزمان يزداد جلالة ونبلا، ثم استخلف لأبيه يوسف على القضاء بالجانب الشرقي، فكان يحكم بين أهل مدينة المنصور رياسة وبين أهل الجانب الشرقي خلافة، إلى سنة اثنتين وتسعين ومائتين، فإن أبا حازم توفي وكان قاضيا على الكرخ - أعني الشرقية - فنقل أبو عمر عن مدينة المنصور إلى قضاء الشرقية، فكان على ذلك إلى سنة ست وتسعين ومائتين ثم صرف هو ووالده يوسف عن جميع ما كان إليهما، وتوفي والده سنة سبع وتسعين ومائتين، وما زال أبو عمر ملازما لمنزله إلى سنة إحدى وثلاثمائة، فإن أبا الحسن علي بن عيسى تقلد الوزارة فأشار على المقتدر به فرضي عنه وقلده الجانب الشرقي والشرقية وعدة نواح من السواد والشام والحرمين واليمن، وغير ذلك، وقلده قضاء القضاء سنة