فيجد الأنصار مجتمعة في مسجد بني ظفر يريدون أن يكتبوا إلى معاوية في حقوقهم أول ما استخلف، وذاك أنه حبسهم سنتين أو ثلاثا لم يعطهم شيئا، فقال: ما هذا؟ فقالوا: نريد أن نكتب إلى معاوية. فقال: ما تصنعون أن يكتب إليه جماعة، يكتب إليه رجل منا، فإن كانت كائنة برجل منكم فهو خير من أن تقع بكم جميعا، وتقع أسماؤكم عنده. فقالوا: فمن ذاك الذي يبذل نفسه لنا؟ قال: أنا. قالوا: فشأنك. فكتب إليه وبدأ بنفسه، فذكر أشياء منها: نصرة النبي ﷺ وغير ذلك، وقال: حبست حقوقنا، واعتديت علينا، وظلمتنا، وما لنا إليك ذنب إلا نصرتنا للنبي ﷺ. فلما قدم كتابه على معاوية دفعه إلى يزيد فقرأه ثم قال له: ما الرأي؟ قال: تبعث فتصلبه على بابه. فدعا كبراء أهل الشام فاستشارهم، فقالوا: تبعث إليه حتى تقدم به هاهنا وتقفه لشيعتك ولأشراف الناس حتى يروه، ثم تصلبه. فقال: هل عندكم غير هذا؟ قالوا: لا. فكتب إليه: قد فهمت كتابك، وما ذكرت النبي ﷺ، وقد علمت أنها كانت ضجرة لشغلي وما كنت فيه من الفتنة التي شهرت فيها نفسك، فأنظرني ثلاثا، فقدم كتابه على ثابت فقرأه على قومه، وصبحهم العطاء في اليوم الرابع.
قال ابن القداح: حدثني بهذا الحديث كله محمد بن صالح بن دينار مرسلا. وحدثني به ابنه صالح بن محمد، قال: سمعت يعقوب بن عمر بن قتادة يحدث بهذا الحديث: ثم أتاه بعد فأقام عنده فمكث نحوا من شهرين لا يلتفت إليه. ثم استأذنه للخروج فبعث إليه بمائة ألف درهم، فوضعها في منزله وتركها وخرج.