وقال له أبو حامد: إنما قصدنا نسأل الإقالة، لم نقصد لأخذها على هذا الوجه، فقال له ابن أبي حامد: هذا رجل فقيه، وقد باعها لأجل حاجته وقلة ذات يده ومتى أخذ المال منه خيف عليه من أن يبيعها ثانية ممن لا يردها عليه، والمال يكون في ذمته، فإذا جاءه نفقة من بلده جاز أن يرد ذلك فوهب المال له، وكان عليها من الحلي والثياب شيء له قدر كثير، فقال له أبو حامد: إن رأى أيده الله أن يتفضل وينفذ مع الجارية من يقبض هذه الثياب والحلي الذي عليها فما لهذا الفقيه أحد ينفذ به على يديه، فقال له: يا سبحان الله هذا شيء أسعفناها به، ووهبناه لها سواء كانت في ملكنا، أو خرجت عن قبضتنا ولسنا نرجع فيما وهبناه من ذلك، ولا يجوز، فعرف أبو حامد أن الوجه ما قاله، فلم يلح عليه في ذلك، بل حسن موقعه من قلبه، وقلب صاحب الجارية، حيث رجعت عليه بلا ثمن ومعها ما معها من الحلي والثياب، فلما أراد أن ينهض ويودعه، قال ابن أبي حامد: أريد أن أسألها قبل انصرافها عن شيء، فقال لها: يا جارية أيما أحب إليك نحن أو مولاك هذا الذي باعك وأنت الآن له؟ فقالت: يا سيدي أما أنتم فأحسن الله عونكم وفعل بكم وفعل، فقد أحسنتم إلي وأعنتموني، وأما مولاي هذا، فلو ملكت منه ما ملك مني لما بعته بالرغائب العظيمة، فاستحسن الجماعة ذلك منها، وما هي عليه من العقل مع الصبا، ثم انصرفوا، وودعوه.
أخبرنا القاضي أبو العلاء الواسطي، قال: قال لنا الحسين بن محمد بن عبيد الدقاق: توفي أبو بكر بن أبي حامد صاحب بيت المال في سنة إحدى وعشرين وثلاثمائة.