أصحابك؟ فقال: آثرت حياتهم على حياتي هذه اللحظة، فتوقف السياف عن قتله، ورفع أمره إلى الخليفة، فرد أمرهم إلى قاضي القضاة، وكان يلي القضاء يومئذ إسماعيل بن إسحاق، فتقدم إليه النوري، فسأله عن مسائل في العبادات من الطهارة، والصلاة، فأجابه، ثم قال له: وبعد هذا لله عباد يسمعون بالله، وينطقون بالله، ويصدرون بالله، ويردون بالله، ويأكلون بالله، ويلبسون بالله، فلما سمع إسماعيل كلامه بكى بكاء طويلا، ثم دخل على الخليفة، فقال: إن كان هؤلاء القوم زنادقة فليس في الأرض موحد، فأمر بتخليتهم، وسأله السلطان يومئذ من أين يأكلون، فقال: لسنا نعرف الأسباب التي يستجلب بها الرزق، نحن قوم مدبرون، وقال لي: من وصل إلى وده أنس بقربه، ومن توصل بالوداد اصطفاه من بين العباد.
أخبرنا عبد العزيز بن علي، قال: حدثنا علي بن عبد الله الهمذاني، قال: حدثنا محمد بن علي بن المأمون، قال: حدثتنا فاطمة خادمة أبي حمزة محمد بن إبراهيم، والجنيد بن محمد، وأبي الحسين النوري، وكانت تلقب زيتونة، قالت: جئت ذات يوم إلى النوري، وكان يوما باردا شديد البرد والريح، فوجدته في المسجد وحده جالسا، فقلت له: أجيئك بشيء تأكله، فقال: نعم، هاتي، قلت له: أيش تشتهي أجيئك به، فقال: خبز ولبن، فقلت: يوم مثل هذا بارد وأنت فقريب من المثلوج، أجيئك بغيره، فقال: هذا فضول منك، هاتي ما أقوله لك، فجئته بخبز ولبن في قدح، ووضعته بين يديه، وجعلت بين يديه خزفة فيها نار، وهو يقلب النار بيده ويستدفئ، ثم أخذ يأكل الخبز باللبن، وكان إذا أخذ اللقمة يسيل اللبن على ذراعه فيغسل سواد الدخان من ذراعه، فقلت في نفسي: يا رب ما أوضر أولياءك، ترى ما فيهم واحد نظيف الثوب والبدن، وخرجت من عنده، وجلست على دكان بالقرب من مسجد إبراهيم