عليك ليل، فقال لأصحابه: انزلوا فاقضموا واطعموا وابعثوا الطلائع، فلا يلقون أحدا إلا حبسوه. ثم سار بهم فصبحهم في أسواقهم فوضع فيهم السيف فقتل وأخذ الأموال، وقال لأصحابه: لا تأخذوا إلا الذهب والفضة، ومن المتاع ما يقدر الرجل منكم على حمله على دابته، وهرب الناس وتركوا أمتعتهم وأموالهم، وملأ المسلمون أيديهم من الصفراء والبيضاء، ثم رجع راجعا حتى نزل بنهر السيلحين، فقال للمسلمين: احمدوا الله الذي سلمكم وغنمكم، انزلوا فأعلفوا خيلكم من هذا القضب وعلقوا عليها وأصيبوا من أزوادكم، ثم سار وسمع القوم يهمس بعضهم إلى بعض: أن القوم سراع الآن في طلبنا. فقال: قبح الله ما تتناجون به، أيسر بعضكم إلى بعض أتحسبونهم الآن في طلبكم؟ فوالله لو كان الصريخ قد بلغهم الآن إنه لكثير، ولو كان الصريخ عندهم لدخلهم من رعب غارتنا عليهم إلى جنب مدائنهم ما يشغلهم عن طلبنا حتى نلحق معسكرنا وجماعتنا، ولو كان بهم من القوة والجرأة ما يحملهم على طلبنا ثم جهدوا جهدهم ما أدركونا، نحن على الجياد العراب وهم على المقاريف البطاء، ولو أنهم طلبونا فأدركونا لم نكن نقاتلهم إلا التماس الثواب ورجاء النصر، عمركم الله، لقد نصرتم عليهم وهم أكثر منكم وأعز. فأقبلوا ومعهم دليلهم حتى انتهى إلى الأنبار واستقبلهم صاحبها بالكرامة، فوعده المثنى الإحسان إليه لو قد استقام أمرهم، فرجع المثنى إلى عسكره.
قلت: والمثنى هو ابن حارثة بن سلمة بن ضمضم بن سعد بن مرة بن ذهل بن شيبان بن ثعلبة بن عكابة بن صعب بن علي بن بكر بن وائل، وهو أول من حارب الفرس في أيام أبي بكر الصديق.