كتبا تتجاوز كثيرا من الكتب المصنفة فيه، فمنها كتابه في أحكام القرآن وهو كتاب جليل لم يسبقه أحد من أصحابه إلى مثله، ومنها كتابه في القراءات وهو كتاب جليل القدر عظيم الخطر، ومنها كتابه في معاني القرآن. وهذان الكتابان شهد بفضله فيهما واحد الزمان، ومن انتهى إليه العلم بالنحو واللغة في ذلك الأوان، وهو أبو العباس محمد بن يزيد المبرد. ورأيت أبا بكر بن مجاهد يصف هذين الكتابين، وسمعته مرات لا أحصيها يقول: سمعت أبا العباس المبرد يقول: القاضي أعلم مني بالتصريف. وبلغ من العمر ما صار واحدا في عصره في علو الإسناد، لأن مولده كان سنة تسع وتسعين وماِئَة فحمل الناس عنه من الحديث الحسن ما لم يحمل عن كبير أحد.
وكان الناس يصيرون إليه فيقتبس منه كل فريق علما لا يشاركه فيه الآخرون، فمن قوم يحملون الحديث، ومن قوم يحملون علم القرآن والقراءات والفقه إلى غير ذلك مما يطول شرحه. فأما سداده في القضاء وحسن مذهبه فيه، وسهولة الأمر عليه فيما كان يلتبس على غيره فشيء شهرته تغني عن ذكره. وكان في أكثر أوقاته وبعد فراغه من الخصوم متشاغلا بالعلم؛ لأنه اعتمد على كتابه أبي عمر محمد بن يوسف فكان يحمل عنه أكثر أمره من لقاء السلطان، وينظر له في كل أمره وأقبل هو على الحديث والعلم.
حدثني العلاء بن أبي المغيرة الأندلسي، قال: حدثنا علي بن بقاء الوراق، قال: أخبرنا عبد الغني بن سعيد الأزدي، قال: حدثنا محمد بن بكر، قال: حدثنا ابن المنتاب قال: سمعت إسماعيل القاضي قال: دخلت يوما على يحيى بن أكثم وعنده قوم يتناظرون في الفقه وهم يقولون: قال أهل المدينة. فلما رآني مقبلا قال: قد جاءت المدينة!.
وقال ابن المنتاب: حدثنا أبو علي بن ماهان القندي قال: سمعت نصر بن علي الجهضمي يقول: ليس في آل حماد بن زيد رجل أفضل من إسماعيل